Author

الرقابة والتحفيز

|

قدمت إدارة تعليم مكة المكرمة لأحد العمال النشطين دراجة هوائية تقديرا لجهوده، وهو أمر أعدّه جيدا لأنه يدعم النشاط والحركة والبذل الذي يسهم في تحسن الوضع العام وتحقيق الأهداف بطريقة أو بأخرى، ولعل هذا المجال ينتمي إلى الحوافز الوظيفية التي يعاني انحسارها كثيرا من الموظفين، سواء في التعليم أو غيره، وليس كما ادعى بعض الساخرين.
سأحاول أن أعدل بين الأجيال، رغم قناعتي بأن الإدارات الحالية أقل حساسية في التعرف على الصعوبات التي يعانيها الموظف، ومن ثم الإنجازات المحققة من قبل البعض في هذه الظروف الصعبة. هذا رغم وجود التقنية وفرص التفاعل المباشر مع الموظفين، وهي لا تغني - دون شك - عن المواجهة اليومية والتفاعل الحقيقي مع المرؤوسين بما يوجد الرابط المعنوي والمحسوس معهم.
انعدام التحسس الذي نعيشه في كثير من الحالات، نتيجة حتمية للتغيرات الاجتماعية التي يعيشها أغلبنا، وهذا يؤكد دوما أن العمليات الإدارية ليست رياضيات بحتة، إنما يسيطر على كثير من عناصرها الوضع الاجتماعي العام. إلى هنا أعود إلى تقريظ ما فعلته الإدارة من كشف عن المجهود البدني الذي أداه العامل، وهذا يمكن أن يشاهده أي شخص يزور المنشأة، فهو أمر محتوم.
الصعب في حالة التحفيز، التعرف على النشاط الناعم soft actitvity، الذي يتركز في القرارات والتقارير والبحوث والإنجاز الذهني الذي يمثل العنصر الأهم والأصعب كشفا لدى الموظف في أي موقع ما لم تكن هناك عناصر رقابة آلية تستطيع عزل نشاط كل موظف وتحديد إسهاماته وإنجازاته كجزء من المنظومة الكاملة. في بيئات كثيرة، ينال من يرفع صوته ويزعج المسؤول بمطالباته حقوقه - بل أكثر من حقوقه، ويبقى الفاعلون الحقيقيون بعيدين عن مسبار الرئيس بحكم الانشغال أو البحث عن الراحة أصلا، ما يؤدي في النهاية إلى خسارات كبيرة في فريق العمل الجاد، حيث إن المتميز يمكن أن يخرج من المنظومة فجأة دون أن تتضح صورته وإسهاماته.
لذا، أدعو دائما إلى وجود الآليات التي تساعد القائد على اتخاذ قراراته، صحيح أنها لن تغطي كل شيء، لكنها ستسهم في كشف المهارات والقدرات الكامنة، التي لا يعرف أصحابها كيف يبرزونها أو لا يهتمون أصلا بإبرازها، لقناعتهم بأنها جزء من الالتزام الوظيفي المطلوب منهم.

إنشرها