Author

قرار متسرع جديد للرئيس الفلبيني

|


منذ أن وصل إلى قصر مالاقانيانج الرئاسي لم يفوت رودريجو دوتيرتي الرئيس الفلبيني فرصة إلا وانتهزها لإطلاق تصريح أو اتخاذ موقف مثير للجدل بدءا من تصريحاته اللاذعة بحق نظيره الأمريكي السابق باراك أوباما وانتهاء بحملته الشهيرة ضد تجار المخدرات عبر دعوته إلى قتلهم خارج إطار القانون، ومرورا بتحذيره رموز جمعيات حقوق الإنسان العالمية من التدخل في الشأن الفلبيني أو محاولة القدوم إلى مانيلا لإجراء تحقيقات تحت طائلة اعتقالهم وإطعام لحومهم للتماسيح.
أخيرا واصل دوتيرتي هذا المنحى، متسببا فيما يشبه الأزمة في علاقات بلاده بحليفتها الأمريكية. ففي خطاب له في 29 كانون الثاني (يناير) الفائت بمناسبة ذكرى تأسيس وزارة التنمية والرعاية الاجتماعية هدد بإنهاء الاتفاقية الدفاعية الموقعة بين مانيلا وواشنطن عام 1951 التي جعلت الفلبين أقدم وأوثق حليف عسكري للولايات المتحدة في عموم آسيا، بما في ذلك ملحقاتها التي وقعت عام 2014 وشملت بنودا جديدة تتيح للقوات الأمريكية استخدام المنشآت العسكرية الفلبينية الموجودة وبناء أخرى جديدة مع حرية تحريك عناصرها وإعادة تموضعهم.
أما لماذا هدد دوتيرتي بهذا الإجراء؟ فلأن واشنطن أصدرت قرارا تحظر فيه على رئيس الشرطة الفلبينية السابق وأحد أنصار دوتيرتي وهو عضو مجلس الشيوخ الحالي السيناتور ساتو ديلا روزا دخول الأراضي الأمريكية على خلفية إشرافه على الحملة المثيرة للجدل ضد عصابات ومافيا المخدرات، وما ارتكب على هامشها من تجاوزات غير قانونية.
هذا القرار السيادي الأمريكي نظر إليه دوتيرتي على أنه انتقاص من شأن بلاده فكانت تهديداته العلنية آنفة الذكر، التي ألحقها بقرار آخر تمثل في رد دعوة وصلته للمشاركة في القمة المنتظرة في أوائل مارس المقبل في لاس فيجاس بين الرئيس دونالد ترمب ونظرائه من قادة رابطة أمم جنوب شرق آسيا (آسيان)، بل ذهب دوتيرتي أبعد من ذلك حينما أصر على أنه لن يبعث بأي مسؤول فلبيني رفيع أو متوسط المستوى لتمثيله في القمة المذكورة.
إذا ما طبق دوتيرتي تهديداته هذه، فإنه سيجر على بلاده مصاعب هي في غنى عنها، أقلها أن مسؤولي وزارة الدفاع الفلبينية لن يتمكنوا من دخول الولايات المتحدة للاجتماع والتباحث مع نظرائهم الأمريكان. كما أن بإمكان واشنطن أن تحجب تأشيرة الدخول إلى أراضيها عن وزير الخارجية الفلبيني ومساعديه للمشاركة في جلسات وأعمال الأمم المتحدة. علاوة على ذلك فإن إيقاف التعاون العسكري التاريخي بين الدولتين ستكون له انعكاسات سلبية على جاهزية القوات الفلبينية وقدراتها التدريبية واللوجستية في وقت تعاني فيه مخاطر الإرهاب وتحرشات الصين في المناطق البحرية المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي.
ولهذا كله ارتفعت أصوات برلمانية وحزبية وشعبية ودبلوماسية فلبينية منددة بالقرار المتسرع للرئيس الذي بحسبهم تجاهل مصالح البلاد العليا واستند في قراره إلى مرئياته الخاصة ومرئيات الحلقة الضيقة من المستشارين المحيطين به. بل كان ضمن المعارضين والمنددين شخصيات تنتمي إلى حزب الرئيس نفسه، دعك من الشخصيات المنتمية لأحزاب المعارضة في مجلسي النواب والشيوخ من تلك التي قالت إن قرارات دوتيرتي لا تخدم سوى الصين التي ستكون أسعد الدول في حدوث خلل في التعاون الدفاعي بين مانيلا وواشنطن.
وكان هناك، بطبيعة الحال، من أشار إلى الأثر السلبي في الأمن الوطني ووحدة البلاد إذا لم يتراجع الرئيس عن تهديداته مذكرا بما حدث عام 2017 حينما كادت القوات الفلبينية أن تهزم أمام حفنة من «الدواعش» ممن استولوا على مدينة ماراوي لولا الدعم الفني واللوجستي الأمريكي.
فمثلا، أكد السيناتور ريتشارد جوردون وزميله كوكو بيمنتال وهما من محازبي دوتيرتي، ضرورة اتخاذ القرارات ذات الصلة بمصالح البلاد العليا من خلال القنوات الدستورية أو الاستماع إلى صوت ورأي الشعب الفلبيني. وبالمثل صرح السيناتور المعارض فرانكلين دريلون قائلا إن الرئيس لا يستطيع بحسب الدستور، أن يشطب معاهدة تاريخية كتلك التي تربطنا بحليفنا التاريخي الأمريكي بمفرده والأمر بحاجة إلى موافقة البرلمان بمجلسيه.
يقول محللو الشأن الفلبيني إن دوتيرتي ليس قلقا فقط من فتح ملفات مساعديه وأنصاره ممن انخرطوا في حملته ضد تجار المخدرات، وإنما قلق أيضا من مساءلته وإدانته شخصيا بعد انتهاء ولايته من قبل محكمة الجرائم الدولية، خصوصا أن هذه المحكمة تنظر حاليا في مزاعم بارتكاب خروق كبيرة ضد حقوق الإنسان أثناء الحملة على مافيا المخدرات بما في ذلك التخلص قتلا من بعض المعارضين السياسيين بعد وصمهم بالاتجار بالمخدرات. ومن المهم هنا الإشارة إلى أن المحكمة المذكورة تستطيع أن تدين شخصيات فلبينية لكنها قد لا تنجح في الوصول إليهم لأن صلاحياتها لا تمتد إلى داخل الحدود الفلبينية. لذا فإنها تعول، والحالة هذه، على جهود القوى الخارجية الكبرى لجهة فرض عقوبات على من صدرت أحكام بحقهم تشمل مصادرة أموالهم وشل قدراتهم على التنقل ومطاردتهم أينما حلوا.

إنشرها