FINANCIAL TIMES

مديرون يمشون نائمين إلى السجن

مديرون يمشون نائمين إلى السجن

قبل أن يصبح بيرني إبيرز مجرما مدانا، حين كان في منتصف الطريق المؤدي إلى جعله مليارديرا في مجال الاتصالات، بدا وكأنه خبير في عالم الإدارة.
في 1997، الرئيس التنفيذي السابق لشركة ويرلد كوم، ومدرب كرة السلة في وقت من الأوقات، الذي توفي في الثاني من الشهر الحالي، شبه نفسه بـ"المشجع"؛ صاحب أسلوب إداري من النوع الذي يشجع عليه الآن في كل مكان. "عندما تكون شخصا معه شهادة في التربية البدنية مثلي، فأنت لا تعرف كثيرا عن الأشياء الفنية"، قال مازحا لصحيفة "الجارديان".
حاول إبيرز استخدام أسلوب مشابه لذلك في محاكمته عام 2005، عندما قال: "لا أعرف التكنولوجيا، ولا أعرف التمويل والمحاسبة". فشلت محاولته تلك بشكل مذهل. تلقى أقسى عقوبة من أي من المديرين التنفيذيين الذين تضرروا من الفضيحة في ذلك الوقت: 25 عاما، قضى منها 13 عاما في السجن بعدها أطلق سراحه لأسباب صحية، في كانون الأول (ديسمبر). عند خروجه من السجن بدا كأنه ظل لصانع الصفقات الذي كان يدخن السيجار، ويستخدم قبعة وأحذية رعاة البقر، الذي كان ذات مرة يقتني يختا يسمى "الاستحواذ" Aquasition.
كان من السهل أن يكون إبيرز ملائما لدور شرير الشركة الجشع. كانت "ويرلد كوم" بمنزلة بنكه الشخصي، حيث اقترض نحو 400 مليون دولار. شجع هوسه بخفض التكاليف وتحقيق أهداف الإيرادات على عملية احتيال محاسبية بسيطة نسبيا، أدت في النهاية إلى الإيقاع به، حتى عندما أعلن عن براءته.
رغم ذلك، ربما كان إبيرز هو الاستثناء وليس القاعدة. أقل من 10 في المائة من مجرمي أصحاب الياقات البيضاء دافعهم الجشع، وفقا لويل هارفي، من كلية إدارة الأعمال في جامعة إكستر، ونافديب أرورا، وهو شريك سابق في "ماكينزي".
الأمر الأكثر إثارة للقلق هو استنتاجهم أن الأشخاص "يمشون نائمين على الخطوط الأخلاقية" وأن ذلك يمكن أن يحدث لأي شخص. بالفعل، أخبرني أرورا أن "العوامل التي جعلتهم ناجحين في المقام الأول هي العوامل ذاتها التي تتضافر وتتسبب في هذا النوع من السلوك".
كان أرورا يتمتع بقدرة استثنائية على الوصول إلى الجناة الـ70 الذين درسهم في بحث لم ينشر بعد. كان يقضي عقوبة بالسجن معهم لمدة عامين بتهمة الاحتيال في أحد السجون الفيدرالية المفتوحة في الولايات المتحدة. حتى لو أخذنا في الحسبان أن المذنبين ربما يحاولون تبرير أفعالهم بعد فوات الأوان، فإن النتائج وخيمة. بعض العوامل المعروفة هي: الغطرسة والمصلحة الذاتية. يعترف أرورا بأن عزمه على إرضاء موكله - دفعه إلى الموافقة على عقد جانبي غير أخلاقي واحتيالي – كان مدفوعا جزئيا برغبته في الحصول على منصب شريك أعلى.
هؤلاء الخارجين عن القانون تحدثوا أيضا عن الخوف من الفشل، والرغبة في حماية موظفيهم ("لقد اعتمدوا علي – باعتباري مؤسسا للشركة"، كما أوضح أحدهم) من نقص الموارد، والضغط لتحقيق الأهداف، وهذا أمر يغذيه أحيانا تدني قيمة الذات، أو الإجهاد، أو المشكلات الشخصية؛ من الحزن، إلى القمار، إلى إدمان الكحول.
ذكرتني بعض روايات السجناء بدينيس كوزلوفسكي، الرئيس السابق لشركة تايكو، الذي سجن في الوقت نفسه الذي كان فيه إبيرز في السجن تقريبا، لأنه نهب ما يقارب 100 مليون دولار على شكل مكافآت غير معتمدة. أخبرني في 2016 كيف انغمس في الرغبة في إثبات نفسه صانع صفقات.
القرارات التي أوقعت بهؤلاء السجناء لم تكن انحرافات كاملة. بل كانت الخطوة النهائية في العملية العادية لتطبيق حدسهم على مخاطر العمل. بعد أن حازوا على الترقيات والإشادة من خلال ثنيهم القواعد، انجرفوا بكل سهولة إلى خرق القانون. يعتقد البروفيسور هارفي أن زيادة اللوائح التنظيمية، إلى جانب مطالب جديدة - لتحقيق أهداف بيئية، مثلا - قد تدفع مزيدا من المديرين التنفيذيين إلى عمل غير أخلاقي، لأنهم يكافحون للتوفيق بين ما يبدو غير قابل للتوفيق.
قال أحد السجناء للباحثين: "لم يكن الأمر صوابا أو خطأ، ولكن ما الذي ساعدنا على تحقيق أهداف أعمالنا؟ لم يكافأ أحد على امتثاله للقوانين، ولكنك تعاقب لعدم تحقيق أهدافك".
إحدى طرق تخفيف الضغط هي توفير الأمان للعاملين للتصريح بمخاوفهم، ومنحهم "الأمان النفسي"، حسب إيمي إدموندسون، من كلية هارفارد للأعمال. يحتاج القادة أيضا إلى الدعم العاطفي، الذي لا يزال عديد من المنظمات يفشل في تقديمه، على الرغم من تركيزهم المتزايد على الصحة العقلية.
حبس إبيرز المطول أحدث صدمة عبر الشركات الأمريكية. ساعد هذا على تهدئة الغضب العام الذي أثاره الفشل الوخيم في معاقبة مرتكبي الأزمة المالية بالسجن.
الإهانة وتشويه السمعة - الذي يتبع المسجون ردع المهنيين غير الشريفين المشمولين في الدراسة الأخيرة عن تكرار جرمهم.
قبل القبض عليهم، خاف عدد قليل منهم من احتمال أن ينتهي بهم المطاف وراء القضبان. اعترف سجين واحد فقط بأنه اعتبر السجن نتيجة محتملة لأفعاله. ادعى الباقون أنهم اتخذوا مخاطرة محسوبة، ظنوا أنهم قادرون على التعامل مع عواقبها. حتى بعد عبورهم الخط الأخلاقي، كان هؤلاء الأفراد يؤدون مهمة شعروا بأنهم أهل لها.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES