FINANCIAL TIMES

قريبا .. أوروبا ستشعر بتداعيات محنة إدلب

قريبا .. أوروبا ستشعر بتداعيات محنة إدلب

الهجوم المتسارع المدعوم من روسيا ضد إدلب في شمال غربي سورية، آخر معقل للثورة ضد نظام بشار الأسد، يتحول بسرعة إلى أسوأ كارثة إنسانية لحرب تدخل الآن عامها التاسع.
أكثر من مليون شخص هربوا من هذا الهجوم الجديد للنظام، الذي تسانده ميليشيات مدعومة من إيران والقوات الجوية الروسية. نحو نصف سكان سورية قبل الحرب، البالغ عددهم 22 مليونا، تم تشريدهم من ديارهم، ستة ملايين منهم تقريبا في الخارج. لكن التدفق الجديد من اللاجئين الذي يصل إلى الحدود التركية في الغرب ويملأ جيبين سوريين في الشمال الغربي استولت عليهما تركيا في عامي 2016 و2018، قد يتضاعف حجمه بسرعة ليصبح أكبر تدفق للاجئين في هذه الحرب.
أزمة اللاجئين المتفاقمة هذه تهدد بإحياء حالة هستيريا "المهاجرين" التي سيطرت على أوروبا في عام 2016/2015 وأعطت دفعة شعبوية قوية لرهاب الإجانب – وهو أمر تدركه جيدا كل من روسيا وتركيا، الطرفين الفاعلين الرئيسيين في إدلب.
جاء هذا الفصل بعد دخول روسيا إلى الحرب لإنقاذ نظام الأسد المتعثر، وأدى إلى صفقة بين أنقره والاتحاد الأوروبي تكون تركيا بموجبها ملجأ لاحتواء اللاجئين السوريين. وهي تستضيف الآن 3.6 مليون وقد شيدت جدارا على الحدود لمنع تدفق مزيد منهم.
روسيا وتركيا دخلتا في ذلك الوقت في تحالف نفعي في سورية، إلى جانب إيران، على الرغم من أنهما كانتا على جانبين مختلفين: موسكو مع الأسد، وأنقرة تدعم مجموعة من الجماعات الساعية للإطاحة به.
في عام 2017 توصل الطرفان إلى اتفاق لإنشاء أربعة "مناطق لتخفيف التصعيد"، بما في ذلك إدلب. نظام الأسد، المعتمد على الأقلية العلوية الذي يعاني نقصا في القوة البشرية ضد انتفاضة تقودها الأغلبية السنية في سورية، يحتاج إلى فرصة لالتقاط اللإنفاس.
الاتفاق بين رئيس روسيا، فلاديمير بوتين، والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، انهار لأن الأتراك ووكلاءهم السوريون فشلوا في كبح جماح المتطرفين المرتبطين بتنظيم القاعدة، التي يوجد لها نحو 20 ألف مقاتل في إدلب. روسيا أعطت الضوء الأخضر لهجوم الأسد لاستعادة السيطرة على المقاطعة. قصف النظام أدى إلى مقتل 13 جنديا تركيا هناك في وقت سابق هذا الشهر. أنقرة في مسار تصادمي مع موسكو، حتى لو كانت إنذاراتها النهائية موجهة إلى دمشق.
العالقون في مرمى النيران هم سكان إدلب البالغ عددهم ثلاثة ملايين نسمة، الذين يتعرضون إلى إرهاب محسوب يتمثل في القصف الجوي وقصف المستشفيات والمدارس والأسواق والمخابز – والذين كانوا قد هربوا إلى "مناطق تخفيف التصعيد" ليعودوا ويفروا منها هي الأخرى. إنهم يتشبثون بالبقاء على قيد الحياة في مناطق درجات الحرارة فيها دون الصفر.
مع أن روسيا وتركيا على خلاف حول إدلب، إلا أنهما على اتفاق في الرغبة في استغلال حساسية الاتحاد الأوروبي بشأن تدفق اللاجئين لدعم أهدافهما في سورية. أردوغان يهدد باستمرار بإعادة فتح الطرق شمالا إلى أوروبا أمام السوريين الفارين من الحرب. روسيا، من جانبها، أخبرت ألمانيا وفرنسا بأنها يمكن أن تسهل عودة اللاجئين، إذا تصالح الاتحاد الأوروبي مع حكم الأسد وقدم أموالا لإنعاش سورية وإخراجها من تحت الأنقاض. لا توجد خيارات جيدة للاتحاد الأوروبي.
كل من تركيا وميليشياتها السورية، وروسيا ونظام الأسد، يحاولون إعادة تشكيل التركيبة السكانية لسورية - في الواقع، تطهير عرقي طائفي.
روسيا لا تستطيع الوفاء بادعائها بإعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم. نظام الأسد لن يسمح بإعادة التوازن الديمغرافي - عدد سكان ما قبل الحرب كان يتسم بأغلبية سنية تبلغ 70 في المائة تقريبا – الذي كاد أن يؤدي إلى سقوطه. إنه يمنع عودة الرجال والفتيان من العرب السنة في سن القتال و"التعمير" من خلال مصادرة منازل وممتلكات اللاجئين.
من جانبها، تريد تركيا من الاتحاد الأوروبي دعم إنشائها منطقة فاصلة في المناطق الكردية شمالي سورية، لمنعهم من التواصل مع الأكراد داخل حدودها. إضافة إلى جيبيها الحاليين في الشمال الغربي، غزت أنقرة الشمال الشرقي بعد انسحاب القوات الأمريكية في تشرين الأول (أكتوبر). كان هدفها هو صد الميليشيات الكردية السورية التي تزعمت المعركة ضد داعش، حتى تخلى عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب فجأة. أردوغان يقترح إعادة توطين ملايين اللاجئين العرب السنة هناك - ويريد مساعدة الاتحاد الأوروبي لتحقيق هذا الهدف. في حين أن هذا غير واقعي، فهو أيضا يمكن أن يؤدي إلى إخراج الأكراد وتكوين تدفق جديد من اللاجئين.
في مقال لمعهد واشنطن، كتب فابريس بالونش، وهو باحث فرنسي في الشأن السوري، أن "هدف أردوغان هو استبدال العرب السنة بهؤلاء الأكراد (الموجودون شمالي سورية) من أجل إنشاء منطقة فاصلة غير كردية على طول الحدود". من غير المرجح أن ينتقل أكراد سورية إلى أجزاء أخرى من سورية، حسبما قال. "من المفترض أن يفر معظمهم إلى حكومة إقليم كردستان في الجزء الشمالي من العراق، ثم إلى أوروبا، حيث لديهم شبكات هجرة جاهزة". الاتحاد الأوروبي الذي انغلق على ذاته سيضطر قريبا إلى إيلاء مزيد من الاهتمام.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES