Author

«الفيروس» وقاطرة الاقتصاد العالمي

|
أستاذ جامعي ـ السويد


الإعلام والعالم منشغلان بأخبار وأحداث وقصص فيروس كورونا الذي أوقف تقريبا عجلة الحياة في إقليم هوبي في الصين الذي يبلغ مجمل عدد سكانه نحو 60 مليون نسمة. أما عاصمة الإقليم ووهان التي يقطنها نحو 11 مليون شخص، فإنها مقفلة تماما وتحت الرقابة الطبية المحكمة.
وأخبار ما يسببه الفيروس القاتل من وفيات وإصابات وتبعات تتصدر نشرات الأخبار والصفحات الرئيسة في الجرائد في العالم.
وإن ألقينا نظرة فاحصة على الفيروس وتغطيته وحللناها نقديا لاستطعنا التوصل إلى استنتاجات تلقي الضوء على عالمنا المعاصر وهمومه ومشكلاته التي هي همومنا ومشكلاتنا أفرادا ومجتمعات ودولا.
ومن النادر أن نقرأ مقالا مخصصا برمته لفيروس كورونا دون التطرق لهذه الهموم. وفي طيات أي مقال تقريبا، نلحظ تركيزا على التأثير الذي أحدثه أو سيحدثه هذا الفيروس الخبيث في الصين كدولة عظمى.
وعظمة الصين برزت وصارت محط أنظار دولة عظمى أخرى، وهي الولايات المتحدة في العقد الثاني من هذا القرن خصوصا.
وصارت الصين بدخولنا هذا العقد قاطرة الاقتصاد العالمي حقا، حيث نهضت شركات تكنولوجية خوارزمية أضحت ندا لمثيلاتها الأمريكية، لا بل فاقتها في مضامير محددة مثل الذكاء الاصطناعي وبناء شبكات تقديم خدمة الاتصالات والإنترنت من فئة الجيل الخامس وعلى نطاق واسع.
كان العالم برمته تقريبا والغربي منه خصوصا يستند في بناء شبكات الاتصال إلى شركات مثل إريكسون السويدية أو نوكيا الفنلندية. هاتان الشركتان مثلا لم يعد في إمكانهما منافسة "هواوي" الصينية. وتخفق حتى مثيلاتها الأمريكية في تشييد بنى تحتية بمستوى تطور تقني وخوارزمي ينافس ما لدى "هواوي".
وصار ما لدى الصين من تطور تكنولوجي خوارزمي لا بد منه وإلا فإنك كدولة أو شركة ستتخلف عن اللحاق بركب ثورة الذكاء الاصطناعي التي تقودها الصين اليوم.
الدول الغربية مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وافقت على أن تكون للصين حصة في بناء شبكتها الخاصة للتحول إلى نظام 5G الخاص بشركتها العملاقة هواوي رغم المعارضة الأمريكية.
وأحد أهم القياسات لمكانة الدول في عالم اليوم يستند إلى شركاتها العملاقة وتأثيرها في الإيرادات والدورة الاقتصادية. في العقود الثلاثة الماضية صار للشركات الخوارزمية الأمريكية العملاقة دور محوري في الاقتصادين الأمريكي والعالمي.
قبل ثلاثة عقود لم يكن للشركات الصينية الخوارزمية دور يذكر. برزت هذه الشركات في مستهل العقد الثاني من هذا القرن، وفي غضون عشرة أعوام حولت شركات صينية خوارزمية مثل كزايومي وبايدو وهواوي وتنست وعلي بابا الصين إلى مركز ثقل وقوة تكنولوجية ليس في الاقتصاد الصيني فحسب بل العالمي أيضا.
الشركات الخمس تشتغل ضمن نظام اقتصادي مركزي، وهي تتوحد وتنسق نشاطاتها وأبحاثها في وقت الأزمات، وها هي تقوم بذلك فعلا كرد على فيروس كورونا الذي يرى كثير من الصينيين أنه وضع دولتهم في حالة حرب شاملة.
أنظار العالم منصبة على فيروس كورونا تراقب من كثب التطور الهائل والمذهل الذي تنجزه الشركات الخوارزمية الصينية الخمس المذكورة أعلاه وهي تحث الخطى للحاق بمثيلاتها الأمريكية المعروفة اختصارا بـFaang وهي "فيسبوك" و"أمازون" و"أبل" و"نتفليكس" و"جوجل" (ألفابت).
النمو والتطور في الصين على قدم وساق دون توقف وفي قفزات لم يشهدها تاريخ التطور الصناعي في العالم، وهذا ما نستدل عليه من مجمل الإيرادات لأكبر 500 شركة في العالم.
قبل نحو عشرة أعوام كانت إيرادات الشركات الصينية في "جلوبال 500 (Fortune Global (500 ت 1.7 تريليون دولار، وحلت الصين في الترتيب الخامس في العالم.
في الفترة ذاتها حلت الشركات الأمريكية في المرتبة الأولى بمجمل إيرادات وصلت إلى 7.5 تريليون دولار.
وفي غضون عشرة أعوام، أي في العام المنصرم 2019، قفزت الصين إلى المرتبة الثانية بمجمل إيرادات وصلت إلى 7.9 تريليون دولار. أمريكا حلت في المرتبة الأولى بمجمل إيرادات بلغت 9.4 تريليون دولار.
النمو في إيرادات الشركات الصينية مدهش وقد لا يصدق حيث ارتفع من 1.7 تريليون إلى 7.9 تريليون، وتقلص الفارق بين إيرادات الشركات الصينية وإيرادات الشركات الأمريكية في "جلوبال 500" إلى 1.5 تريليون دولار في العام المنصرم بعد أن كان 5.8 تريليون دولار قبل نحو عشرة أعوام.
لو استمر نمو إيرادات الشركات الصينية بالمستوى نفسه لسبقت الصين الولايات المتحدة في مؤشر جلوبال 500، وهو أحد أهم المؤشرات الاقتصادية في العالم، في غضون أقل من ثلاثة أعوام.
هل عرفنا سبب خشية أمريكا من الصين؟ وهل عرفنا لماذا يعرج تقريبا أي تقرير حول فيروس كورونا إلى التأثير الذي سيخلفه في النمو في الصين؟
وهناك ظواهر وثيمات مهمة أخرى يتطرق إليها الإعلامان الغربي والأمريكي منه خصوصا عند تغطيته تفشي فيروس كورونا في إقليم صيني يتميز بتفوقه التكنولوجي والصناعي. ولأننا وصلنا إلى سقف عدد الكلمات الممنوح لنا من جريدتنا الغراء سنتطرق إلى هذه الظواهر في مقال الأسبوع المقبل.

إنشرها