Author

«باركليز» وقطر .. الأدلة دامغة

|

تتواصل "دراما" القضية المرفوعة في المحكمة البريطانية ضد ثلاثة مديرين سابقين لبنك باركليز البريطاني الشهير. هذه القضية التي انطلقت قبل عام ونصف العام، كشفت عن كثير من المعلومات، ولا سيما تلك التي تتعلق بالاتهامات الموجهة لهؤلاء المتهمين التي تتعلق بدفع رشا مالية هائلة، لحمد بن جاسم رئيس الوزراء القطري السابق الذي كان يتولى رئاسة جهاز قطر للاستثمار، ويمتلك في الوقت نفسه شركة تسمى "تشالينجر" التي حضرت بقوة في جلسات المحاكمة، لأن الرشا المشار إليها تم تحويلها إلى هذه الشركة، أي إنها كانت الذراع الرئيسة في إتمام هذه العملية المشينة. ورغم أن المحكمة برأت متهما رابعا العام الماضي، لعدم كفاية الأدلة، إلا أن الاتهامات طالت ثلاثة مديرين آخرين، بينهم رئيس سابق للبنك نفسه.
المسألة يعرفها الجميع، وهي باختصار، أن "باركليز" توجه إلى قطر في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية التي انفجرت عام 2008، من أجل الحصول على تمويل لإنقاذ البنك، وذلك كي يتجنب الخضوع للتأميم حفاظا على وجوده على الساحة المصرفية. وبالفعل تلقت مصارف بريطانية مختلفة أموالا حكومية لإنقاذ ما حولها من مؤسسات مالية حكومية، إلى أن تتمكن من تسديد أموال الإنقاذ هذه. والتأميم أو الامتلاك المرحلي للحكومة لأي مؤسسة يمثلان في الواقع خسارة لا تعوض لسمعة هذه المؤسسة أو تلك، فضلا عن خضوعها للتدقيق الأعمق والأشمل والأقوى خلال المرحلة المشار إليها، يضاف إلى ذلك أن مؤسسة بهذه الوضعية ستضرب قيمة أسهمها في السوق المالية ما ينعكس سلبا على التعافي في وقت لاحق.
هناك اعترافات ظهرت خلال المحاكمات في قضية "باركليز" والرشا المقدمة لقطر ولا سيما لحمد بن جاسم، بما في ذلك الاعتراف من قبل روجر جنكينز الرئيس السابق الذي يخضع للمحاكمة، بأن عملية إنقاذ البنك بعيدا عن المساعدة الحكومية شهدت بعض الأعمال القذرة. والمثير، أن جنكينز نفسه حصل على "مكافأة" قدرها الادعاء العام بنحو 32 مليون دولار، على دوره في إتمام صفقة شراء قطر أسهما في "باركليز" وصلت قيمتها إلى 6.7 مليار دولار، من أصل 14 مليار دولار تقريبا كان يحتاج إليها البنك للنجاة من التأميم. ماذا حصل حمد بن جاسم من رشا مقابل ضخ الأموال القطرية في هذا المصرف؟ تسلم 322 مليون جنيه استرليني، وماذا كانت الحجة في الأوراق الرسمية للبنك لدفع هذا المبلغ الكبير؟ لقاء استشارات بعقود صورية يزعم أن ابن جاسم يقدمها عبر شركته "تشارلينجر".
المحاكمة التي وصفت في الدوائر المصرفية البريطانية بأنها "محاكمة القرن" تتواصل هذا العام مع تحولات ملحوظة في سلوكيات وأقوال المديرين المتهمين، بما في ذلك توجيه ما يشبه الاتهامات لبعضهم بعضا وهذا يدل على أنهم بدأوا دخول مرحلة الاعتراف الكامل بالأعمال القذرة التي رافقت صفقة شراء قطر أسهما في "باركليز". ويرى مكتب الاحتيالات الخطيرة البريطاني الذي وجه التهم للمديرين المشار إليهم، أن ما حدث ليس أقل من عار على الساحة المالية البريطانية، خصوصا أن لندن تعد المركز المالي الأهم في العالم، وتعتمد البلاد على نسبة كبيرة من ناتجها المحلي على هذا القطاع الهائل. والمثير في الأمر أن المسؤولين القانونيين في "باركليز" أكدوا للمحققين بأدلة قاطعة أنهم طلبوا من مسؤولي البنك أن يراعوا تماما المسار القانوني لمثل هذه الصفقات، وأن يبتعدوا عن أي أعمال غير قانونية. وهذا ما يفسر اعتراف جنكينز بحدوث ممارسات قذرة بالفعل في عملية إنقاذ المصرف.
سيكون هناك كثير من المعلومات المشينة التي تورطت قطر فيها عبر حمد بن جاسم الذي كان يتمتع بسلطات مطلقة آنذاك في بلاده. وينتظر الوسط المالي في لندن تفجر مزيد من "القنابل القانونية" المتعلقة بهذه المسألة الحساسة جدا بالنسبة لقطاع المال كله.

إنشرها