Author

السمنة والصحة والتكاليف

|


منذ أعوام، تحذر المنظمات والجهات المعنية بالصحة العامة حول العالم من ارتفاع أعداد الأشخاص المصابين بالسمنة على المستوى الدولي. ولا توجد حكومة في الغرب تحديدا، إلا وتطلق تحذيراتها متى سنحت الفرصة لذلك، حول المخاطر التي تنتج من السمنة لدى كل شرائح المجتمع. ولذلك فإن بعضها اتخذ إجراءات للحد منها، بما في ذلك فرض ضرائب على مواد غذائية مثل السكر والدهون وتلك المشبعة بالكربوهيدرات. في حين أن مدينة كلندن أقدمت قبل عامين على حظر الإعلانات الخاصة بالأطعمة السريعة المعروفة بكميات الدهون التي تحتوي عليها، ولا سيما أن هذه الأطعمة تستهدف الأطفال أكثر من الكبار، بينما سجلت معدلات السمنة لدى الأطفال مستويات عالية في العقد الماضي، ومن المتوقع أن ترتفع في العقد الحالي.
البنك الدولي تحرك أخيرا على هذه "الجبهة"، بعد أن نشر مجموعة من الأرقام الصادمة حقا فيما يتعلق بمستويات السمنة وآثارها وخسائرها وانعكاساتها السلبية على المجتمع بشكل عام. والأهم أن هذه المؤسسة الكبرى، تناولت على وجه الخصوص هذه المشكلة المتصاعدة في الدول النامية، وهذه الدول عادة لا تولي مثل هذه القضايا الاهتمام الكافي، وفق البنك الدولي. المشكلة هنا، أن التكاليف الناجمة عن ارتفاع أعداد المصابين بالسمنة في الدول النامية ستصل "وفق التوقعات" إلى سبعة تريليونات دولار في الأعوام الـ15 المقبلة! وهذه الأموال هائلة بالفعل، خصوصا في الدول التي تسعى إلى أن تتقدم خطوة أكثر للأمام نحو بقية الدول المتقدمة. كما أن هذه الخسائر المتوقعة ستنعكس مباشرة على النمو المطلوب، وهو نمو ليس سيئا، إلا أنه ليس مستداما.
الإنفاق لمواجهة الآثار المترتبة على السمنة في الدول النامية وغيرها، يؤثر سلبا في بقية الخدمات خصوصا في الدول الناشئة، التي تواجه "كغيرها من الدول" عجزا في موازناتها العامة. فضلا عن تحول جزء من موارد الرعاية الصحية الضرورية إلى أولئك الذين يحتاجون إلى العلاج من الأمراض الناجمة عن السمنة. بمعنى آخر أن هؤلاء المصابين بالسمنة الزائدة "وهي اختيارية في الأغلبية العظمى من الحالات" يأخذون أماكن أولئك الذين يحتاجون بالفعل إلى الرعاية الصحية نتيجة أمراض أصيبوا بها لأسباب لا دخل لهم فيها. ووفق الأرقام الأخيرة، فإن تكاليف الرعاية الصحية المرتبطة بالسمنة ومضاعفاتها وأمراضها في دولة كالصين، ارتفعت من 0.5 في المائة إلى 3 في المائة بين عامي 2000 و2009. والأرقام مشابهة تقريبا في عدد من الدول الناشئة.
لا يمكن أن تحل هذه المشكلة إلا بإجراءات حكومية فاعلة، ولا سيما عبر فرض الضرائب المرتفعة على المواد الغذائية غير الصحية. تضاف إلى ذلك، ضرورة تأسيس ثقافة غذائية جديدة تماما في أغلبية دول العالم. ففي الدول المتقدمة يمكن أن ترى هذه الثقافة منتشرة، من خلال الإرشادات الموجودة على كل منتج غذائي، في حين صار الغذاء شبه مادة يتم تناولها بالشرح ضمن مناهج التعليم في المدارس. وهناك فعاليات لا تتوقف على مدار العام للتوعية الغذائية. وهذا ما يجب أن يكون موجودا على الساحة في الدول الناشئة، وفي أسرع وقت ممكن. فالسمنة لا تضرب الصحة العامة فقط، بل تنال من الخزانة العامة أيضا. كما أن الإجراءات المطلوبة في هذا المجال، تنقذ حياة أعداد كبيرة من البشر. إنها مسألة قومية في أي دولة، وهي في النهاية تصب في المصلحتين العامة والخاصة في آن واحد.

إنشرها