Author

«كورونا» هل يعيد ترتيب خريطة الاقتصاد العالمي؟

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية


مرض كورونا هو أحد أوبئة هذا العام الذي بدأ من الصين وأصاب الآلاف من الصينيين مع أن العدد مرشح للازدياد حيث إن الإحصاءات الرسمية الصينية تتزايد يوما بعد يوم والوفيات أيضا في ازدياد في ظل سعي الحكومة الصينية إلى الحد من انتشار هذا الوباء داخل الصين وخارجه بعمل حثيث وضخم لكن بطبيعة هذه الأوبئة فإن محاصرتها والحد من انتشارها يأخذ وقتا وجهدا كبيرين وفي ظل التفاوت بين الناس في مستوى الوعي فإن محاصرته في مكان لا تضمن عدم انتشاره في مكان آخر إلا بالوصول إلى علاج له يمكن أن تعالج به الحالات المصابة خصوصا أن مثل هذا النوع من المرض مشابه في أعراضه للأنفلونزا المعروفة، لكن الفحوص هي من تحدد نوع المرض وبالتالي يمكن التعامل معه ومحاصرته قدر الإمكان. والخطورة في انتقال المرض عبر الحدود إلى دول أخرى قد لا يكون لديها الإمكانات والوعي كما هو الحال في الصين بما ينذر بانتشار واسع للمرض وتأثر شريحة كبيرة من الناس به.
هذا المرض الذي بدأ من مقاطعة ووهان الصينية كان له الأثر الواضح في الاقتصاد، حيث أحدث تقلبات في أسعار النفط وعديد من السلع والمعادن وأصبح القلق يتزايد من أن مدة المحاصرة والقضاء على المرض قد تطول وهذا سيؤثر مؤكدا في الاقتصاد والحركة التجارية في العالم وسيكون سببا لتقلبات كثير من الأسعار سواء بالارتفاع أو الانخفاض باعتبار أن الصين مؤثر كبير في التجارة في العالم، فالعالم اليوم يعتمد على الصين في كثير من المنتجات، فلا تكاد توجد قطعة في هذا العالم منتجة إلا وللصين علاقة بها سواء كانت تصنع القطعة بالكامل في الصين أو أجزاء منها أو أجزاء من المعدات التي تصنعها، وهذا ما دفع الحكومة الصينية إلى العمل بشكل حثيث وصارم مع هذا المرض الفتاك كي لا تخسر ثقة العالم والمنتجين ومركزها التجاري كأحد أهم مراكز التجارة والتصنيع في العالم، وهنا يرد سؤال، وهو هل التجارة وكثير من المصانع والمنتجين والشركات ارتكبوا خطأ استراتيجيا في الاعتماد المطلق على الصين في إنتاجهم، ما أدى إلى احتمالات وقوع مخاطر عالية على هذه الشركات بالاعتماد كليا أو جزئيا على الصين وعدم البحث عن خيارات أخرى يمكن أن تحد هذه المخاطر؟ وهنا نتساءل: هل أصبح الاقتصاد والتجارة في العالم في خطر بسبب هذا الاعتماد الكبير على الصين؟ وهل لدى الشركات استراتيجية للبحث عن بدائل؟
المخاطر التي يمكن أن تنشأ من بلد ما لا تقف عند الأمراض والأوبئة فقط، فقد تكون هناك مخاطر يمكن أن تنشأ لأسباب متعددة منها الحروب أو الصراعات، كما أن الحروب التجارية أصبحت أيضا تمثل خطرا على قطاعي التجارة والصناعة، إضافة إلى المخاطر السياسية والفوضى التي يمكن أن تحصل في أي مكان في العالم، وقد تكون هناك مخاطر متعددة أخرى كل ذلك يمكن أن يؤثر بصورة مباشرة في دولة مثل الصين وينعكس تلقائيا على الوضع التجاري والاقتصادي في العالم، ومن هنا فمن المهم توزيع المخاطر حيث لا يكون هذا الاعتماد الهائل فقط على الصين حيث يكون للقطاعين التجاري والصناعي استراتيجيات أكثر توازنا في توزيع خريطة أنشطتها وأعمالها وإنتاجها، حيث يمكن أن يكون بعض الشركات بدأ بها فعلا وذلك بإيجاد بدائل لمصانعها وإنتاجها خارج الصين وقد يكون من الأسباب حينها هو ارتفاع تكلفة الإنتاج في الصين في ظل وجود خيارات أخرى أقل تكلفة، إضافة إلى سعي بعض الدول الأخرى التي لديها وفرة في القوى العاملة إلى العمل على جذب الاستثمارات الأجنبية وتهيئة البنية التحتية التي تحتاج إليها هذه الاستثمارات، وهي اليوم أمام فرصة جيدة لذلك خصوصا أن خصائص الاقتصاد الصيني التي كانت عامل جذب رئيسا وهي الانخفاض النسبي لتكلفة القوى العاملة بدأت تتقلص، بعد التحسن الكبير والعام في الحالة الاقتصادية للصين.
الخلاصة: إن وباء كورونا يمكن أن يعيد توزيع خريطة الصناعة والتجارة التي تكاد تكون الصين قد اقتربت من أن تتربع على عرشها خلال هذه الفترة، حيث إن الاعتماد في الصناعة والتجارة بشكل كلي أو جزئي يعد شكلا من أشكال المخاطرة، وهذا يفتح باب الفرصة لكثير من الدول التي يمكن أن تقدم خيارات تتمكن من جذب الاستثمارات إليها جزئيا لتوزيع المخاطر.

إنشرها