Author

الحمائية والمشكلات الاقتصادية الأخرى

|

من ضمن المشكلات التي تواجه الاقتصاد العالمي، تلك التي ترتبط بما يعرف بـ"الحمائية" في مجالين محوريين كالتجارة والاستثمار. وهذه النقطة أفسدت في الواقع عددا من العلاقات الثنائية حول العالم، خصوصا تلك التي تربط الدول الكبرى ببعضها بعضا. ورغم أن مبادرات تعد بالعشرات طرحت لحل هذه المشكلة المزمنة، إلا أنها لا تزال موجودة على الساحة، وأخذت شكلا عنيفا أخيرا عبر الحرب التجارية القائمة بين الولايات المتحدة والصين، مع ضرورة الإشارة إلى أن هناك هدنة في الحرب نتجت عمليا عن الاتفاق المبدئي بين الطرفين. لكن الأمور مرشحة للتفاقم في المستقبل، مع تصاعد الخلافات التجارية حتى بين الدول الحليفة كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
والحمائية مشكلة نابعة من محاولات الدول توفير الحماية لحراكها التجاري والاستثماري، عبر أدوات تعد في ظل ثقافة التجارة الحرة غير قانونية، بل يعدها البعض غير أخلاقية. وهي تتجلى (كما هو معروف) في فرض رسوم جمركية إضافية على السلع، ورفع الحصص التصديرية بصورة مبالغ فيها، واتباع ما يعرف بـ"الإغراق"، كلها أدوات مباشرة للحمائية المشار إليها. ومع أن قوانين منظمة التجارة العالمية تنص على فرض رسوم جمركية تعويضية على الجهات التي تمارس الحمائية (خصوصا الإغراق)، إلا أن ذلك لم يؤد إلى نزعها من الحراك الاقتصادي العالمي. ولهذا فإن الحروب والمعارك التجارية تندلع كنتيجة مباشرة للفشل في الحد من الحمائية. فعلى سبيل المثال، يعتقد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، أن منظمة التجارة العالمية لا تقوم بدورها كما يجب في هذا المجال، ويدعو إلى إصلاحها.
وللحمائية توابع كثيرة، من بينها تلك المتعلقة بالمناخ. فقضايا المناخ صارت البند الأول ليس بين الدول فحسب، بل في برامج الأحزاب السياسية هنا وهناك أيضا. وعلى صعيد "مجموعة العشرين" التي تترأس المملكة دورتها حاليا، هناك توصيات في هذا المجال، وتعمل السعودية على اعتمادها وفق أسس واقعية غير مصطنعة، بما في ذلك إصلاح منظمة التجارة في أسرع وقت ممكن، كي تقوم بدورها المحوري المنشود في تنظيم التجارة الدولية وحل الخلافات التي قد تحيق بها. وهذه التوصيات لا تتوقف عند حدود معالجة الحمائية وروابطها، بل تشمل أيضا قضايا مثل الضرائب بين الدول، ودور الشباب والمرأة في ميادين الأعمال، ومسائل تتعلق بالاستدامة التي يحتاج إليها كل الاقتصادات العالمية، فضلا عن توظيف التقنية لمواجهة التحديات في حقلها، مثل الأمن السيبراني، وما يتعلق به.
وإذا ما تم التوصل إلى حلول عملية لهذه القضايا، أو إذا ما تم وضع خريطة طريق شاملة لها على أمل الوصول إلى الحلول المنشودة، فإن كل الخلافات الاقتصادية الراهنة على الساحة العالمية ستتراجع، ما يمنح العلاقات الدولية بعدا جديدا مثمرا لكل الأطراف المعنية. الأمر ليس بسيطا، لكنه قابل للعلاج وفق أسس عملية، خصوصا بعدما أثبتت التجارب الماضية، أن الخلافات التي أنتجت مواجهات ومعارك وحروبا تجارية، زادت المخاطر على الاقتصاد العالمي، وأدت إلى تباطؤ النمو بصورة مقلقة، حتى إن هناك توقعات بأن يتوقف هذا النمو عند حدود منخفضة إذا ما استفحلت الخلافات الراهنة. الدور الذي تقوم به "مجموعة العشرين" على هذا الصعيد (وغيره) مهم جدا، مع رئاسة المملكة دورتها الراهنة. فهذه المجموعة تضم أكبر الاقتصادات قاطبة، وهي تسيطر على 85 في المائة من الناتج العالمي.

إنشرها