Author

اجتهادات في التعليم

|

لا يخفى على أحد أن التعليم يمثل الرافعة التي تقوم عليها كل برامج التنمية الزراعية، والصناعية، والعمرانية، ومشاريع الصحة، والبنى التحتية، فبالتعليم توجد الكوادر، وبالتعليم تتم الاختراعات، وبالتعليم يقوى عود المجتمع، ويزيد متانة، وتماسكا؛ لذا الأمم تسعى جاهدة إلى توفير الإمكانات الضرورية - مادية، وبشرية - لتضمن نجاح التعليم في إعداد الأجيال الصالحة المنتجة القادرة على نقل المجتمع من حالة السكون والركود إلى حالة الإنتاج والتنافس على الساحة الدولية.
المملكة كغيرها من الدول أدركت أهمية التعليم منذ التأسيس لذا بادرت بافتتاح المدارس في كل المناطق ليصل إلى المدن، والقرى، والهجر، واستعانت في هذه المهمة بمعلمين من الدول العربية التي سبقتنا في المجال التعليمي.
بتوسع التعليم وزيادة الخريجين من الجامعات المحلية، وخريجي البعثات تنوعت التخصصات وأصبح السعوديون ينافسون غيرهم في مجالات تخصصاتهم إلا أن شغور بعض المهن من السعوديين، أو قلتهم فرض على المسؤولين في التعليمين العام والعالي التفكير في برامج تطوير من شأنها رفع كفاءة المخرجات، ومناسبتها لاحتياجات سوق العمل؛ تفاديا لمخرجات لا تجد لها مكانا في سوق العمل، ما يزيد نسبة البطالة.
في التعليم العام طرحت أفكار لبرامج تطوير تمثلت في الثانوية المطورة، والثانوية الشاملة، وسبقها برنامج التغذية المدرسية والمباني المدرسية الجاهزة. وفي أعوام لاحقة طرح برنامج النقل المدرسي، وتدريس اللغة الإنجليزية في كل المراحل ابتداء من الصف الأول الابتدائي، كما طرح أخيرا تدريس اللغة الصينية علما أنه في عقود ماضية كانت اللغة الفرنسية تدرس في المرحلة الثانوية لكن تم إلغاؤها.
التعليم العالي مثله مثل التعليم العام يمر بتغيرات، سواء التوسع في الجامعات، أو التخصصات، مع ملاحظة أن الجامعات الحديثة لا يلاحظ فيها التميز في البرامج، بل هي تكرار لبرامج، وتخصصات الجامعات الأقدم، ما يحدث فائضا في المخرجات. كليات اللغات والترجمة، والسنة التحضيرية، وكلية العلوم الطبية التطبيقية، وكليات المجتمع أصبحت معتادة في الجامعات ورغم أهمية بعض البرامج إلا أن السؤال: هل لدى الجامعات الإمكانات المادية والبشرية التي تؤهلها لتخريج الكفاءات المؤهلة تأهيلا عاليا أم لا؟
في المسابقات على المستوى الدولي في اختبارات العلوم، والرياضيات لم يكن أداء طلاب المملكة جيدا بل على العكس النتائج كانت ضعيفة، مقارنة بدول لا تتوافر لها الإمكانات التي لدينا، ما يثير التساؤل: أين الخلل؟ هل في دافعية الطلاب، أم في المعلمين، أم في نظام التقويم المستخدم؟ في أعوام خلت كانت الأسئلة مركزية لكل الطلاب في المملكة للصف السادس الابتدائي، والكفاءة المتوسطة، والصف الثالث الثانوي، حيث توضع الأسئلة، وتصحح الإجابات في الوزارة، ليترك الأمر فيما بعد للمدارس تفاديا لإشكاليات المركزية. كما أن مما طرأ ما يعرف بالتقويم المستمر الذي طبق دون إعداد كاف للمعلمين، فكيف نضمن سلامة، وجودة التطبيق؟
في التعليم العالي شهد إعداد المعلم تغيرات، إذ ساد النظام التكاملي عقودا تخرج من خلاله كثير من المعلمين، وكانت الجامعات الأقدم كجامعة الملك سعود رائدة فيه، لكن بوجود مسؤولي جامعات، كمديرين، وعمداء، إما لعدم المعرفة الكافية بقيمة النظام التكاملي، وإما لاجتهادات شخصية تم إلغاؤه، واستبدل بما يعرف بالنظام التتابعي الذي يمكن تطبيقه بعدة صور.
من التغيرات في ميدان التعليم إنشاء مركز قياس لإعداد الاختبارات المساعدة على الاختيار في قبول الطلاب في الجامعات، ومع أن النتائج في الميدان أثبتت محدودية نسبة التنبؤ لاختبار القدرات، إلا أنه لا يزال يعتمد عليه في إجراءات القبول، وعليه يتطلب الأمر إعادة النظر في آليات إعداده، وفلسفته، وأسسه النظرية وفتح المجال للباحثين لإجراء الدراسات على النتائج المترتبة عليه.
هيئة تقويم التعليم العام، والمركز الوطني للقياس والتقويم وجدا ليكونا عينا بصيرة على المدارس، والجامعات في أهدافها وفلسفتها، وأدائها، ونتائجها، واحتياجاتها المادية والبشرية وإدارتها، إلا أن هذا لا يمكن أن يتحقق ما لم يكن لهذين الجهازين الاستقلالية التامة التي تمكنهما من إبراز الإيجابيات، والسلبيات دون تردد طالما كانت الإجراءات والأدوات والقائمون على عملية التقويم تتمتع بالموضوعية.
لا شك أن هذه التغيرات والإجراءات تمثل اجتهادات بعضها صائب، وبعضها يجانب الصواب، فالمسؤول في الجهاز غالبا ما يقرر ما يقتنع به حتى إن لم تستفد منه العملية التعليمية، ويجد من يسايره من العاملين معه لأي سبب كان. وفي وضع كهذا لا يمكن أن نحقق تعليما ناجحا.

إنشرها