Author

مؤسسات الأعمال المملوكة للدولة .. ودورها في التنمية

|

ما "مؤسسات الأعمال المملوكة للدولة" State-Owned Enterprises: SOE؟ وكيف تتميز أعمالها عن مؤسسات الأعمال الأخرى غير المملوكة للدولة؟
إذا أردنا أن نبحث في هذا الأمر، لعلنا نبدأ بالتعريف بهذه المؤسسات. من هذا المنطلق، نجد أمامنا تعريفا متداولا عالميا، هو تعريف "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" OECD التي تضم في عضويتها 36 دولة، وتلقب عادة "بنادي الدول الغنية". يقول هذا التعريف ما يلي: "مؤسسة الأعمال المملوكة للدولة هي وحدة أعمال معترف بها قانونيا كشركة تملكها الدولة بالكامل، أو تملك معظمها، أو ربما حصة كبيرة مؤثرة منها". ويقول تقرير حول هذه المؤسسات صادر عن مؤسسة الخدمات المهنية الشهيرة "برايس-وتر هاوس-كوبر PwC" التالي: "لأن الدولة هي الموجه الرئيس لمؤسسات الأعمال المملوكة للدولة، فإن التركيز الاستراتيجي Strategic Positioning لهذه المؤسسات لا يكون على تحقيق الأرباح فقط، بل على إيجاد وتقديم قيمة اجتماعية Social Value Creation أيضا".
يمكن القول، بناء على ما سبق: إن "مؤسسات الأعمال المملوكة للدولة" تختلف عن المؤسسات الأخرى في "الجانب الاجتماعي"؛ فهي لا تتجه بأعمالها نحو تحقيق الأرباح المالية والنمو الاقتصادي فقط، بل تتطلع أيضا إلى أعمال تحقق فوائد اجتماعية. وقد يقول قائل ردا على ما سبق: إن على "مؤسسات الأعمال غير المملوكة للدولة" مسؤولية اجتماعية تطالبها بإنفاق جزء من أرباحها لتقديم فوائد اجتماعية، وذلك منظم بقوانين في مختلف أنحاء العالم، ومعزز بمعايير دولية. وهذه المعايير الدولية أطلقتها وثيقة "المنظمة الدولية للمعايير" ISO، المعروفة بالرمز ISO 26000. وخلاصة هذا القول: إنه نظرا لذلك، فإن "المؤسسات غير المملوكة للدولة" تقوم بإسهام اجتماعي؛ وعلى ذلك فلا فرق بينها وبين "المؤسسات المملوكة للدولة"، وربما لا توجد حاجة فعلية إلى "المؤسسات المملوكة للدولة".
ليس في هذا القول رؤية كاملة لمشهد عمل "المؤسسات المملوكة للدولة". فالجانب الاجتماعي في هذه المؤسسات جانب رئيس، في الأهداف والتخطيط والتنفيذ، ولا يقل أهمية عن الجانب المادي الربحي، بينما هو في المؤسسات الأخرى خدمة جانبية، ولا يدخل في إطار الأهداف، ولا في العمل على تحقيقها، وإنما يأتي بعد ذلك، وقد يكون في كثير من الأحيان عاملا تجميليا يعزز المكانة الدعائية لهذه المؤسسات. وعلى ذلك فإن دولا كثيرة تهتم بوجود مؤسسات تملكها كليا أو جزئيا لتعزز بذلك ميزانيتها من خلال جانب الأرباح المادية المحتملة لهذه المؤسسات من جهة، ولتفيد من خلالها المجتمع عبر مشاريع أعمال تصب في حل المشكلات الاجتماعية والارتقاء بحياة الناس من جهة أخرى. ولعل من المناسب الإشارة هنا إلى أن المؤسسات المملوكة للدولة كليا أو جزئيا لا تكون عادة مقيدة بالعمل وفق قوانين المؤسسات الحكومية، بل هي تتمتع عادة بالحرية التي تتمتع بها مؤسسات الأعمال الأخرى، كي تنعم بالمرونة الكافية للتنافس في سوق العمل، وتكون قادرة على تحقيق أهداف ربحية إلى جانب الفوائد الاجتماعية.
ويبرز هنا قول مهم يستحق أن نتوقف عنده وهو أن الجانب الربحي للمؤسسات، وما يقدمه من معطيات اقتصادية، هو أيضا إسهام في الجانب الاجتماعي لأنه يعزز إمكانات الاستثمار ويفعل النمو، ويزيد الناتج المحلي، ما يعود بالفائدة على المجتمع وأبنائه. هذا فعلا صحيح، لكن فوائد هذا الجانب غالبا ما تعود إلى بعض فئات المجتمع، إضافة إلى أنها قد تسبب مشكلات اجتماعية لا تحمد عقباها، إن لم تكن هناك ضوابط اجتماعية للحماية منها. وإذا كان من مثال على ذلك، فلعلنا نطرح موضوع المؤسسات الصناعية التقليدية التي يؤدي عملها إلى تلوث البيئة، فمثل هذه المؤسسات تحقق أرباحا لأصحابها، تسهم في النمو الاقتصادي، وزيادة الناتج المحلي للدول، وتوسع القدرة على الاستثمار، لكنها تسبب في الوقت ذاته أذى للمجتمعات من حولها، وللعالم بأسره أيضا عبر تأثيرها السلبي في تغير المناخ. وهناك بالطبع أمثلة أخرى لمؤسسات تؤدي مصلحتها الربحية، وإسهاماتها الاقتصادية إلى إحداث مشكلات اجتماعية أخرى، لعلنا نعود إليها في مقالات مقبلة بمشيئة الله.
تتجنب "المؤسسات المملوكة للدولة" أي تضارب بين الجانبين "الربحي الاقتصادي" من جهة، و"الاجتماعي" من جهة أخرى، لتسهم بذلك ليس فقط في التنمية الاقتصادية وزيادة الأرباح، بل في التنمية الاجتماعية والارتقاء بحياة الإنسان أيضا. وعلى ذلك فهي تستطيع أن تكون الأقرب إلى الإسهام في تنفيذ "الخطط الوطنية للتنمية" لدولها، لأن غاية مثل هذه الخطط هو "الإنسان" ومصالحه بمعنى الاستجابة الموضوعية المستدامة لمتطلباته. وهناك مؤسسات مملوكة للدولة في دول كثيرة، وغالبا ما تركز هذه المؤسسات على القطاعات ذات التأثير في حياة الإنسان في دولها. ففي السويد Sweden إحدى دول شمال أوروبا النشيطة، على سبيل المثال، هناك نحو "1700 مؤسسة مملوكة للدولة كليا أو جزئيا"، وذلك طبقا لوثيقة صادرة عام 2017 عن "صندوق النقد الدولي IMF".
إذا نظرنا إلى المملكة والمؤسسات المملوكة للدولة فيها، نجد تركيزا على وجود مثل هذه المؤسسات في "القطاعات الحيوية". في قطاع النفط هناك "أرامكو" Aramco ؛ وفي قطاع الصناعة هناك "سابك" SABIC ؛ وفي قطاع النقل الجوي هناك "السعودية" Saudia ؛ وفي قطاع الطاقة الكهربائية هناك "الشركة السعودية للكهرباء" SEC؛ وفي قطاع الاتصالات، هناك "شركة الاتصالات السعودية" STC؛ وفي قطاع المياه هناك "شركة المياه الوطنية" NWC؛ وفي قطاع الخدمات الإلكترونية الآمنة، هناك شركة العلم Al-Elm؛ وفي قطاع تطوير التعليم، هناك شركة تطوير Tatweer؛ وفي قطاع سوق العمل، هناك شركة تكامل Takamol؛ إضافة إلى عدد من الشركات الأخرى التي تملكها الدولة جزئيا أو كليا.
ليست "مؤسسات الأعمال المملوكة للدولة" بديلا عن "مؤسسات الأعمال غير المملوكة لها" رغم التنافس الممكن بينهما في المجالات المشتركة. فلمؤسسات الأعمال غير المملوكة للدولة دور في تفعيل إمكانات الأفراد وفتح المجال أمام قدرتهم على العطاء والإسهام في التنمية الاقتصادية. لكن تبقى المؤسسات المملوكة للدولة ضرورية، خصوصا في بعض القطاعات الحيوية، لأن تركيزها الاستراتيجي ليس ربحيا فقط، بل اجتماعيا أيضا، مصلحة الإنسان فيه هي العليا.

إنشرها