Author

التطوير اللازم لآليات وبرامج التوطين بدءا من 2020

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية

تثبت مجددا التطورات على أرض سوق العمل المحلية حسبما تم إيضاحه في المقال السابق (ماذا بعد انخفاض العمالة الوافدة والتحويلات؟)، أن الواجب عمله واتخاذه من إجراءات وبرامج للتوطين في مواجهة تحدي البطالة والعمل على خفضها بصورة ملموسة، أكبر مما تم حتى تاريخه ومما تعتزم وزارة العمل القيام به حسبما أعلنت في مناسبات ماضية عديدة. كما تؤكد النتائج الفعلية على الأرض أن الحاجة إلى إعادة تصميم وبناء عموم كل تلك البرامج للتوطين قد تجاوزت مجرد كونها ملحة، إلى أعلى درجات الأولوية التنموية في إطار مواجهة أحد أكبر التحديات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة، التي تتجاوز انعكاساتها على المستويات كافة مجرد تدوين أرقام بالارتفاع أو الانخفاض، إلى أبعاد أعلى أهمية، وأوسع نطاقا من مجرد سوق عمل وبيئة أعمال محلية، لتشمل بأهميتها القصوى أبعادا اقتصادية كلية، ومجتمعية على نطاق واسع جدا يضم مختلف شرائح المجتمع السعودي.
لم يعد مجديا ولا مقبولا الوقوف عند تبريرات أرباب المنشآت في القطاع الخاص، بعدم القدرة على مجاراة برامج التوطين المختلفة، وصعوبة تلبية متطلباتها، وهو الأمر الذي ثبت عدم حقيقته إلى حد بعيد، إذا ما نظرنا جميعا إلى ما تم إنجازه من معدلات توطين لافتة في قطاعات اقتصادية رائدة ومهمة، في مقدمتها قطاعات المال والتأمين على سبيل المثال لا الحصر، وأن ما يمكن وصفه بالليونة التي حظيت بها منشآت القطاع الخاص من قبل وزارة العمل، لم يفض إلا إلى مزيد من الاستقدام من جانب، ومن جانب آخر إلى محافظة العمالة الوافدة على مواقعها الوظيفية في المستويات المتوسطة والأعلى، وفي جانب أخير هو الأهم على الإطلاق؛ فمنشآت القطاع الخاص تنفست الصعداء أكثر مما هو متاح لها في الظروف العادية، دع عنك الفترة الراهنة التي يواجه خلالها الاقتصاد الوطني تحديا تنمويا جسيما كتحدي البطالة، عبر اعتمادها المفرط على مواد إنهاء عقود موظفيها من العمالة الوطنية، وهو ما أثبتته البيانات الصادرة عن المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية طوال الفترة 2018 - 2019 التي تم استعراضها في المقال الأخير.
لا بد من تأكيد النفاذ السريع إلى صلب التحديات الكامنة في سوق العمل من خلال ثلاثة مداخل رئيسة، سبق الحديث عنها كثيرا مع وزارة العمل، وأن تكون تلك المداخل هي الأسس الرئيسة لبرامج التوطين المطلوب العمل بها بدءا من هذا العام طوال عقد مقبل على أقل تقدير، والاستمرار في تحديثها وتغييرها وفقا للتطورات والمتغيرات المحتملة خلال الفترة، يبدأ أول تلك المداخل الرئيسة: بما هو معني بالتوظيف وجهود التوطين، وهي ما تشكله برامج التوطين الراهنة، وضرورة رفع كفاءتها وتطويرها فوق المستوى الذي بلغت مداه خلال الفترة الراهنة، ولا تتوافر لديها القدرة على الذهاب بعيدا عما تم تحقيقه حتى تاريخه، لتعتمد خلال الفترة الراهنة على تفويض الجهود والبرامج الرامية للتوطين للأجهزة الحكومية، كل جهاز حسب النشاط والقطاع الذي يخضع لإشرافه ورقابته، وهو ما أكدته تجربة مؤسسة النقد العربي السعودي مع قطاع التأمين، التي أثمرت خلال أقل من عامين فقط، عن ارتفاع معدل التوطين من 55 في المائة بنهاية 2016، إلى أعلى من 72 في المائة بنهاية 2018، وارتفاع معدل توطين المناصب القيادية والتنفيذية من 27 في المائة بنهاية 2016، إلى نحو 55 في المائة بنهاية 2018، وانخفضت مقابل ذلك سيطرة العمالة الوافدة على تلك المناصب من 73 في المائة بنهاية 2016، إلى نحو 45 في المائة بنهاية 2018.
المدخل الثاني: يتم استحداث برامج رقابية أعلى كفاءة، للحد من عمليات إنهاء عقود العمالة الوطنية وتقليص أعدادها في منشآت القطاع الخاص، وتركيز الرقابة والمتابعة لنشاطات منشآت القطاع الخاص كافة على اختلاف أحجامها ونشاطاتها، وإخضاع جميع قرارات تلك المنشآت في مجال إنهاء عقود عمالتها الوطنية للرقابة اللصيقة، وهو الأمر الممكن تحقيقه بمرونة عالية وفق ما تضمنه المدخل السابق إيضاحه، بتفويض جهود وبرامج التوطين للأجهزة الحكومية حسب إشرافها على القطاعات المسؤولة عنها، فلا يمكن اعتماد أي قرار بالاستغناء عن أي عامل مواطن، أو استقدام وتوظيف عامل وافد، إلا بعد تصديقه واعتماده النهائي من الجهة الحكومية المعنية.
المدخل الثالث الرئيس: تحسين بيئة وظروف العمل في منشآت القطاع الخاص، وتشمل الفترة الزمنية من تاريخ بدء العمالة الوطنية بالعمل حتى نهاية خدمتها في تلك المنشآت، وتستهدف حماية العمالة الوطنية من أي إجراءات تعسفية أو تحديد أجورها في مستويات متدنية وحرمانها من أي علاوات مستحقة طوال خدمتها، أو حرمانها من الترقيات والدورات التدريبية اللازمة والمستحقة، وهو الأمر الذي تثبته أيضا الإحصاءات الرسمية، التي أظهرت أن (1) التسريح من العمل بواسطة صاحب العمل (2) قلة الأجر أو الراتب، شكلا من مجموع أسباب ترك العمل السابق للمتعطلين الذين سبق لهم العمل نحو 61 في المائة من إجمالي الأسباب، ما يشير بوضوح تام إلى ما تعانيه بيئة العمل للعمالة الوطنية في المنشآت من معوقات وتحديات جسيمة، افتقرت كثيرا في مجملها إلى الحدود المقبولة من المتطلبات والشروط اللازمة لإيجاد البيئة المثالية لممارسة الموظف والموظفة مهام أعمالهما الموكلة إليهما. دع عنك لو تم العمل على إجراء دراسات شاملة في تلك المنشآت، وقامت فرق العمل المعنية بإجرائها، ووصلت إلى كثير من العمالة الوطنية في القطاع الخاص للتعرف على الأوضاع الحقيقية التي تعيشها في أروقة القطاع الخاص، ومحاولة تحديد الإيجابيات والسلبيات التي يعايشونها في تلك المنشآت، فستظهر للجميع نتائج بالغة الأهمية على الجانبين المتضادين إيجابا وسلبا، جديرة بأن يتم توظيفها في اتجاه تطوير جهود الرقابة على بيئات العمل في القطاع الخاص.

إنشرها