Author

ماذا بعد انخفاض العمالة الوافدة والتحويلات؟

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية


أظهرت الإحصاءات الرسمية الصادرة عن المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، انخفاض العمالة الوافدة في القطاع الخاص خلال الفترة 2017 - 2019 بعدد 2.1 مليون عامل، لتستقر بنهاية 2019 عند 6.4 مليون عامل وافد، أي انخفاض بنسبة بلغت 24.2 في المائة من إجمالي عددها الذي كانت عليه في نهاية 2016 (8.5 مليون عامل وافد)، وانخفض أيضا خلال الفترة نفسها حجم التحويلات إلى الخارج بنسبة 17.4 في المائة، ليستقر مع نهاية 2019 عند مستوى 125.5 مليار ريال، مقارنة بما كان عليه بداية الفترة عند مستوى 151.9 مليار ريال، علما بأن حجم تلك التحويلات كان قد وصل إلى ذروته التاريخية خلال 2015 عند مستوى 156.9 مليار ريال.
يجب الانتباه إلى أن التغيرات التي طرأت على أعداد العمالة الوافدة خلال الفترة 2017 - 2019 تعكس فقط صافي التغيرات، التي تتضمن الفرق بين أعداد المستقدمين الجدد من العمالة الوافدة، مخصوما منه أعداد المغادرين منهم لسوق العمل المحلية، التي تبين الإحصاءات أن أعداد المستقدمين خلال الفترة أعلاه وصلت إلى نحو 2.4 مليون عامل مستقدم جديد، مقابل مغادرة نحو 4.5 مليون عامل وافد، ليظهر لديك صافي التغير الموضح أعلاه البالغ 2.1 مليون عامل وافد.
في مقابل تلك التغيرات؛ أظهرت الإحصاءات ذاتها خلال الفترة نفسها ارتفاع أعداد العمالة السعودية في القطاع الخاص بنسبة 1.5 في المائة فقط، أي بصافي زيادة عددية لم تتجاوز 25.5 ألف عامل وعاملة سعوديين، ارتفاعا من نحو 1.68 مليون عامل بداية الفترة، وصولا إلى 1.7 مليون عامل في نهاية 2019. وعلى المنوال نفسه؛ تعكس التغيرات التي طرأت على أعداد العمالة السعودية في القطاع الخاص صافي التغير فقط، إذ تتضمن الفارق بين أعداد الموظفين الجدد مخصوما منه أعداد المستبعدين من العمل لأي من الأسباب التالية: متقاعد، مفصول، نهاية عمل المنشأة التي يعمل فيها العامل.
وفقا لذلك؛ تظهر الإحصاءات أن أعداد الموظفين الجدد من المواطنين والمواطنات خلال الفترة أعلاه، وصلت§ إلى 569.5 ألف عامل وعاملة من السعوديين، مقابل استبعاد نحو 544 ألف عامل وعاملة إما للتقاعد وإما للفصل من العمل أو لنهاية عمل المنشأة، لينتج لدينا صافي التغير الموضح أعلاه زيادة 25.5 ألف عامل وعاملة سعوديين.
وبالنظر والبحث في صافي التغيرات بأعداد العمالة السعودية والوافدة حسب مستويات الأجور خلال الفترة نفسها، سيظهر لدينا أنه بالنسبة للعمالة السعودية تركز الانخفاض فقط على العمالة ذات الأجور من ثلاثة آلاف ريال شهريا فأدنى، بنسبة انخفاض بلغت 10.1 في المائة، أي نحو 79.9 ألف عامل، مقابل ارتفاعه للمستويات الأعلى دخلا من ثلاثة آلاف ريال شهريا فأعلى بنسبة 11.9 في المائة، أي بنحو 105.4 ألف عامل، ولعله يعكس تخلص عديد من منشآت القطاع الخاص من الوظائف الوهمية التي طغت على سوق العمل المحلية خلال الفترة 2011 - 2015. في المقابل بالنسبة للعمالة الوافدة، فقد ظهر أيضا تركز الانخفاض على الأدنى دخلا، بانخفاضها بنسبة 26.6 في المائة لشريحة العمالة الوافدة ذات الأجور من ثلاثة آلاف ريال شهريا فأدنى، أي نحو 2.0 مليون عامل، مقابل انخفاضها بما لا يتجاوز 5.6 في المائة للمستويات الأعلى دخلا من ثلاثة آلاف ريال شهريا فأعلى، أي نحو 54.3 ألف عامل وافد فقط.
يقود البحث في تفاصيل أكثر مما تقدم للوصول إلى الأسباب الفعلية لعدم وصول نسب التوطين إلى ما هو مأمول، ومن ثم ابتكار الحلول المجدية لمعالجتها، والانتقال بوتيرة توظيف العمالة السعودية إلى مستويات أعلى وأكثر جدوى، وبما يؤدي فعليا إلى خفض معدلات البطالة الراهنة. ولو أمعنا جميعا النظر في عموم برامج التوطين الراهنة، وما تلاها من مبادرات تلو المبادرات تم الإعلان عنها فترة بعد فترة من قبل وزارة العمل، سنجد أنها على الرغم من اجتهاداتها ومحاولاتها وما تحقق نتيجة لذلك، إلا أنها لم تصل بعد إلى جذور المعوقات التي تحول بين الوظائف الملائمة في مختلف منشآت القطاع الخاص من جهة، ومن جهة أخرى الباحثين والباحثات عن عمل من المواطنين والمواطنات.
إذ يغلب على الوظائف المستهدف توفيرها أمام الباحثين والباحثات من المواطنين من خلال تلك البرامج، أنها تركز على الكم أكثر من النوع! وتتجاهل إلى حد بعيد عامل التأهيل العلمي الذي يحمله الباحث السعودي عن العمل، مقارنة بالوظائف التي تشغلها العمالة ولا تتطلب أدنى مؤهلات علمية، وتعاني أيضا تدني مستويات أجورها الشهرية، وحين يغادرها العامل الوافد لا ولن تجد من يريد أن يشغلها من العمالة السعودية، في الوقت ذاته الذي نجد أن الوظائف الملائمة من حيث التأهيل العملي والأجر الشهري الجيد، التي تشغلها العمالة الوافدة في القطاع الخاص (تناهز مليون وظيفة بنهاية 2019)، أؤكد أن تلك الوظائف غير متاحة للباحثين عنها من السعوديين، من أهم أسباب ارتفاع عدم إتاحتها للمواطنين هو عدم وصول أي من برامج ومبادرات التوطين الراهنة إليها، التي لو وجدت برامج توطين مخصصة لها كمقترح برنامج توطين الوظائف القيادية والتنفيذية، وبرنامج توطين الوظائف المتوسطة، لرأينا جميعا نتائج أخرى أفضل بكثير مما تحقق حتى تاريخه.
اكتشاف حقيقة المشكلة وأسبابها يمثل 50 في المائة الحلول، وتكتمل الحلول باتخاذ القرار الملائم لحلها، وتظهر على أثره النتائج الأفضل ذات الأثر الملموس على الاقتصاد والمجتمع، هكذا هي المنهجية الأمثل للوصول إلى معدلات توطين أعلى، وللوصول إلى معدلات بطالة أدنى. والله ولي التوفيق.

إنشرها