Author

بكاء القلوب

|

أثناء دراستي في الخارج، سكنت فترة في منزل مع ثلاثة أصدقاء.
كان أحد هؤلاء شخصا غاية في اللطف والتهذيب. يقوم بواجباتنا جميعا. هو من ينظف المنزل ويطهو ويسدد الفواتير عبر البريد. اعتمد عليه الجميع. اقتصرت أدوارنا على تسديد الإيجار ودفع الالتزامات المالية. ظللنا أكثر من عام نقيم في المنزل، وهناك من يعتني بنا جيدا.
اعتقدنا أن ما يقوم به أمر دائم، ومفروغ منه، إذ لم يكن يحتج أو يطلب مساعدتنا. يواصل عطاءه بلا امتعاض أو ضيق. يؤدي كل تلك المهام بمهارة ودقة وكفاءة. وبدورنا استمررنا في ممارساتنا ذاتها. تجاهلنا احتياجه وحاجته إلى دعمنا ومؤازرتنا. وفجأة بلا مقدمات غادرنا. ترك لنا رسالة إلكترونية كلماتها لا تنسى:
"شكرا لكم. هذا آخر شهر لي معكم. وجدت مكانا أنسب لي. أرجو أنني لم أضايقكم". رفض أي محاولة لإثنائه عن القرار. منع أي خطوة لوساطة أو شفاعة. في البدء لم نعرف سبب هذا الرحيل المفاجئ.
مع مرور الأيام وردتنا تسريبات تشير إلى أن السبب يعود إلى أننا استغللنا كرمه وصمته معنا، ولم نتعاون معه ما زاد ألمنا ألما.
شعرنا بحسرة وتأنيب ضمير، وأدركنا فداحة خطئنا.
لم نلتفت إليه لأنه لم يصرخ أو يتحدث. تحمل كثيرا فخذلانه. حزم أمتعته ورحل بصمت أثار ضجيجا لم ينطفئ.
فلم يتركنا فحسب، وإنما تركنا وسط دوامة من الندم.
وكأنه يوبخنا وهو يغادر، بعد أن نفد مخزون ثقته، مرددا المقولة الشهيرة: "الثقة كالممحاة، تصغر وتصغر بعد كل خطأ".
استرجعنا لحظات صمته بحزن. استعدناها بانزعاج.
مع الأسف، نحن لا نحس بأخطائنا إلا بعد فوات الأوان.
تعلمنا الدرس جيدا. وأنت يا صديقي تذكر دائما: لا تستهن بصمت من حولك.
الصمت في أحيان كثيرة صراخ. ينبغي أن نراعي المشاعر والعواطف. نهتم بمن حولنا قبل أن يغادرونا، وفي قلوبهم أسى لا يندمل.
اعتنِ بمن يحبك، فالقلب يبكي، وبكاؤه لا دموع له.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها