Author

زلابية

|

هي فتاة مصرية في العشرينيات من عمرها بسيطة المظهر من بيئة اجتماعية متواضعة الإمكانات، في ليلة خطبتها أرادت أن تظهر سعادتها شأنها شأن أي فتاة أخرى في هذا العالم، فذهبت إلى كوافيرة بالغت في وضع الماكياج لها بشكل غير احترافي، وكذلك في صبغ شعرها بطريقة لا تتناسب مع عمرها وارتدت فستانا بسيطا حسب إمكاناتها، في تلك الليلة كان الأقارب والأصدقاء في قمة سعادتهم وهم يشاركون “زلابية” فرحة العمر، كما كان خطيبها يمسك يدها مظهرا سروره بوجودها إلى جانبه. كانت هذه الليلة ستمر هادئة وتترك خلفها ذكريات جميلة تبقى محفورة في ذاكرة الأهل والخطيبين، لكن الذي حدث فيما بعد جعل من تلك الليلة كارثة بمعنى الكلمة، فقد قام أحدهم بإنزال صور العروس “زلابية” على “الفيسبوك” و”التيك توك”، ما دفع الناس إلى التنمر عليها وعلى ماكياجها وفستانها، هذا التنمر الذي مارسه كثيرون بوحشية ضد هذه الفتاة البسيطة، والتعليقات السلبية على مظهرها والاستهزاء بشكلها، دفع خطيبها إلى فسخ خطوبته منها، تحولت حكاية “زلابية” إلى مادة دسمة فتدفقت الصحف والقنوات التلفزيونية إلى الحي الشعبي الفقير الذي تسكن “زلابية” أحد بيوته، كان الجميع “يطبطبون” عليها، ثم يرحلون دون أن يقدموا لها حلا لما حدث، أو يشعلوا قنديل أمل قد يبدد تلك الغيوم السوداء من الانكسار والألم التي سكنت قلبها!
مثل هذه الحادثة وغيرها تدخل ضمن ظاهرة التنمر الذي يعد شكلا من أشكال العنف والإيذاء والإساءة، وهو عادة يكون موجها من فرد أو مجموعة من الأفراد نحو طرف آخر ينالون منه من خلال الحط من قدره والاستهزاء به ومحاولة تحطيمه نفسيا، لم يعد التنمر مقتصرا على المدارس بين الطلاب أو في الشوارع بين أبناء الحواري أو في العمل بين الزملاء والرؤساء والمرؤوسين، بل امتد ليكون تنمرا إلكترونيا، وهذا في وجهة نظري الشخصية من أشدها إيذاء وقسوة، لأن المتنمر يمارس تنمره من خلال وسائل تقنية “تخلي اللي ما يشتري يتفرج”، وبدلا من أن يكون التنمر ضمن نطاق ضيق، فإنه ينتشر بسرعة البرق، حيث تكثر الشائعات والأقاويل والتعليقات السلبية ما يسهم في حالة من القلق والحزن والعزلة للمتنمر عليه.
كان من المفترض على الصحف والقنوات التلفزيونية التي تهافتت على “زلابية” لتصنع منها مادة إعلامية و”تطبطب” عليها دون تقديم حل لها، أن يقودوا حملة توعية ضد التنمر الإلكتروني وتكون “زلابية” هي الوجه الإعلامي للحملة.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها