FINANCIAL TIMES

سباق الضريبة العالمي الكبير .. الدول مقابل الشركات

سباق الضريبة العالمي الكبير .. الدول مقابل الشركات

كان من بين أكثر النواتج المفاجئة للعولمة نمو تجنب الضرائب عبر الحدود.
نظرا لأن الشركات المتعددة الجنسيات سعت إلى استغلال فرص المراجحة بين الولايات القضائية المختلفة لتقليل فواتير الضرائب، أصبحت المكاتب الرئيسية ومرافق الإنتاج متنقلة دوليا بدرجة غير مسبوقة.
كانت النتيجة هي المنافسة الضريبية الشديدة بين الدول لجذب الاستثمار، مع خطر حدوث سباق عالمي نحو الأسفل. توافر إجراءات عالمية متضافرة يعد أفضل وسيلة لمنع مثل هذه النتيجة، لكن لا يزال التعاون الدولي حول الضرائب يمثل مشكلة.
هذا لا يعني أنه لم يتحقق شيء. في عام 2013، بدأت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، مجموعة الدول المتقدمة بشكل أساسي، بالترادف مع حكومات مجموعة العشرين، سلسلة من الإجراءات لمعالجة تجنب الضرائب، لضمان فرض ضرائب على الأرباح في الدول التي يحدث فيها النشاط الاقتصادي وإيجاد القيمة. بدافع من الخسارة المحتملة لعائدات ضرائب الشركات، وهو عجز يقدره الاقتصاديون في صندوق النقد الدولي بـ650 مليار دولار سنويا، انضمت أكثر من 135 دولة لهذا التحرك.
في صميم العمل توجد Beps، مبادرة تآكل الأساس وتحويل الأرباح، التي تشير إلى استراتيجيات الشركات المتعددة الجنسيات لاستغلال الفجوات وعدم التطابق في القواعد الضريبية من أجل تحويل الأرباح إلى مواقع منخفضة الضرائب أو من دون ضرائب.
ازدادت أهمية المهمة عن طريق الرقمنة لأن من الصعب تحديد مكان إنتاج شركات التكنولوجيا. علاوة على ذلك، هناك علاقة ضعيفة بين إيرادات الشركات المتعددة الجنسيات الرقمية وأرباحها المعلنة. شركة أمازون توضح هذه النقطة. في عام 2018 كانت أرباحها 10.1 مليار دولار فقط على 232.9 مليار دولار من الإيرادات العالمية، في حين أن الضريبة كانت مجرد 1.2 مليار دولار، تم تأجيل أكثر من ثلثها.
يؤدي هذا النوع من التجنب إلى تقويض نزاهة الأنظمة الضريبية وتكاملها لأنه يميل الدفة لصالح الشركات المتعددة الجنسيات على حساب المصالح المحلية الأصغر.
وكما أشار سايمون تيلفورد، مدير الأبحاث في منتدى الفكر من أجل اقتصاد جديد، المنافسة الضريبية الناتجة تشجع الاستفادة المجانية للسلع العامة بينما تقوض قدرة الحكومات على توفير هذه السلع. ويضيف أن الشركات، مثلها مثل الأفراد، ليست مسؤولة بالكامل عن نجاحها. الشركات لن تكون شيئا دون الوصول إلى قوة عاملة صحية ومتعلمة وبنية تحتية عامة وأنظمة قانونية تنفذ العقود وبراءات الاختراع والملكية الفكرية.
كما تعاني الدول النامية من الحرمان الشديد بسبب اعتمادها الشديد على ضرائب دخل الشركات، خاصة الشركات المتعددة الجنسيات. من تقديرات صندوق النقد الدولي التي بلغت 650 مليار دولار لخسائر الإيرادات الناتجة عن تجنب الضرائب، نحو الثلث يتعلق بالدول النامية.
في مرحلة جديدة من مبادرتها لمكافحة التجنب، اقترحت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن تخضع الأرباح المتعددة الجنسيات لمعدل ضريبي أدنى. هذا من شأنه أن يقلل من حافز الشركات لمحاولة تحويل الأرباح ووضع حد للمنافسة الضريبية بين الولايات القضائية. بالتوازي مع ذلك، أصدر الاتحاد الأوروبي توجيهاته الخاصة بتجنب الضرائب، التي تتطلب من الدول الأعضاء تنفيذ مجموعة مشتركة من القواعد لمعالجة التجنب.
الآن "مبادرة الإبلاغ العالمي"، وهي مجموعة لا تهدف للربح لمعايير الاستدامة، تسعى إلى تعزيز الشفافية في هذا المجال. في معيار جديد، تدعو إلى تحسين الكشف عن استراتيجية الضريبة على الشركات، وتوضيح الأسباب التي تجعل رسوم الضريبة في الحسابات المالية أقل من معدلات الضريبة القانونية الرئيسية، والإبلاغ عن أنشطة الأعمال والإيرادات والأرباح والضرائب في كل دولة على حدة.
في استشارة عامة، اعترضت الشركات الكبرى على الخطوة الأخيرة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. يشعر آخرون بالقلق من أن عمل المنظمة لا يقطع شوطا كافيا. جوزيف ستجليتز، الخبير الاقتصادي، الفائز بجائزة نوبل في الاقتصاد عام 2001، وصف مبادرة Beps بأنها تقدم "إصلاحات الترقيع فقط لحالة معيبة بشكل أساسي وغير قابلة للإصلاح".
بلغ الضغط السياسي الناجم عن السخط العام على فواتير الضرائب المنخفضة للشركات المتعددة الجنسيات حدا كبيرا إلى درجة أن عديدا من الدول تلجأ الآن لاتخاذ تدابير أحادية الجانب ضد شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى. كانت فرنسا في الطليعة، مع فرض ضريبة معروفة شعبيا باسم ضريبة Gafa، إشارة إلى "جوجل" Google و"أبل" Apple و"فيسبوك" Facebook و"أمازون" Amazon. في الوقت نفسه، تشير المملكة المتحدة وكندا وإيطاليا والنمسا وأستراليا، من بين الدول المتقدمة، إلى فرض رسومها الرقمية الخاصة بها، في حين تفيد التقارير بأن ألمانيا وإسبانيا تفكران في اتخاذ إجراءات مماثلة.
لكن هذا فتح جبهة جديدة في الحرب التجارية العالمية. هددت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بفرض رسوم جمركية بنسبة 100 في المائة على 2.4 مليار دولار من الصادرات الفرنسية، بما في ذلك الجبن والسلع الفاخرة. كذلك ناقش البيت الأبيض الانتقام من الدول الأخرى التي تحاول رفع الضرائب على شركات التكنولوجيا الأمريكية.
تتجه الأنظار الآن إلى المملكة المتحدة، حيث تمتلك حكومة المحافظين خططا تفصيلية لفرض ضريبة نسبتها 2 في المائة على إيرادات الشركات التي تتمتع بحضور رقمي كبير. إذا تم ذلك، سيتبعها آخرون بالتأكيد. بالتالي، التوازن بين الأساليب المتعددة الأطراف والأساليب الأحادية الجانب لكبح التجنب قد يميل نحو هذا الأخير.
الأمر الواضح هو أن الضغط على الحكومات المثقلة بالديون لاعتصار مزيد من العائدات من قطاع الشركات آخذ في الازدياد. كما يجادل البروفيسور ستجليتز "يواجه العالم أزمات متعددة - بما في ذلك تغير المناخ، وعدم المساواة، وتباطؤ النمو وتراجع البنية التحتية - لا يمكن معالجة أي منها من دون حكومات تتمتع بموارد جيدة". في الوقت الذي يزن فيه السياسيون بعناية التكلفة المحتملة للانتقام الأمريكي، سيكون من الصعب مقاومة إغراء الانخراط في هجوم أحادي الجانب على بعض من أغنى الشركات في العالم.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES