FINANCIAL TIMES

شركات التداول عالي التردد .. الملوك الجدد لسوق السندات

شركات التداول عالي التردد .. الملوك الجدد لسوق السندات

شركات التداول عالي التردد .. الملوك الجدد لسوق السندات

عندما أصبح جوش باريكمان معروفا باسم "ملك السندات" الجديد، كان زملاؤه يعابثون مدير الصندوق الصموت من خلال ترك تيجان ورقية من بيرجر كينج على مكتبه.
قد لا يتمتع مواطن أوهايو الهادئ بمكانة بارزة بين نجوم سوق السندات مثل بيل جروس، لكنه استحق لقبه. الصندوق الذي يديره، "فانجارد توتال بوند ماركيت"، هو أكبر صندوق للدخل الثابت في العالم؛ يدير أصولا بقيمة 247 مليار دولار.
يمثل موقع الصندوق في صدارة جدول الأعمال ثورة في سوق السندات الأمريكية البالغة قيمتها تسعة تريليونات دولار. بخلاف صندوق "توتال ريتيرن" الذي تتم إدارته على طريقة الاستثمار النشط، الذي يديره جروس مباشرة، فإن صندوق السندات الرائد في "فانجارد" هو صندوق سلبي يتتبع المؤشرات. وهو يتقاضى رسوما أقل من المستثمرين ويحاول تتبع السوق وليس التغلب عليها.
ساعدت الصناديق المتداولة في البورصة، التي تسعى أيضا لتقليد مؤشر أساسي لكن يتم تداولها مثل الأسهم، على ترويج الاستثمار السلبي. في الأسهم، أصبحت الصناديق المتداولة ضخمة، لكنها الآن تتزايد في الدخل الثابت أيضا. في العام الماضي، بلغت الأصول في صناديق الاستثمار المتداولة في السندات السلبية تريليون دولار للمرة الأولى، وفقا لمزودة البيانات ETFGI.
تم تسهيل هذا التحول الجذري من خلال تغييرات كبيرة حدثت في تكنولوجيا التداول. ولت التداولات عبر آلات التيلكس الثقيلة القديمة التي كان المتداولون يطرقونها لإدخال بيانات التعامل فيها. الآن يمكن تسعير مئات من صفقات السندات إلكترونيا كأنها صفقة واحدة وتنفيذها في وقت واحد مع طرف مقابل واحد. امتد هذا الأنموذج الجديد من "تداول المحافظ" توسع من صناديق الاستثمار المتداولة في البورصة، حيث سيطر على وول ستريت، ويشق طريقه الآن مرة أخرى إلى مستثمرين مثل باريكمان.
يقول باريكمان: "صناديق الاستثمار المتداولة في جانب الدخل الثابت أمر مهم حقا. بالنسبة للدخل الثابت، هذه فعليا أول سوق يتم تداولها في البورصة وتتمتع بالسيولة والشفافية. وهي منسجمة تماما مع ظاهرة تداول المحافظ".
وهي تجتذب فئة جديدة كاملة من اللاعبين في السوق. كان تداول السندات في الماضي مجالا مربحا للغاية لمصارف الاستثمار - من ذروة "سولومون براذرز" في الثمانينيات إلى أعمال "جولدمان ساكس" القوية للغاية خلال العقدين الماضيين. لكن الآن هناك جيل جديد من شركات التداول يتميز بسرعة البرق، ويتمتع بالدراية في مجال الكمبيوتر، ويوفر أماكن بديلة لمديري الصناديق للتداول.
يقول مات كينج، الاستراتيجي في "سيتي": "نحن على عتبة بعض من أكبر التغييرات في هذا المشهد منذ عقود".
قبل ما يزيد قليلا على أربعة أعوام كان ماتيوس بيريرا يجلس لامتحاناته النهائية في كلية وارتون للأعمال المرموقة في جامعة بنسلفانيا. اليوم، يعمل في مكتب شركة هولندية للتداولات عالية التردد في نيويورك، ويعتقد هذا الشخص البرازيلي أنه مسؤول عن 3 في المائة من حجم تجارة السندات الأمريكية ذات العائد المرتفع. ويقول إنه في بعض الأيام تمثل حسابات شركته 10 في المائة من السوق. عمره 28 عاما.
تحقق الارتفاع الصاروخي لبيريرا بفضل التحول نحو الاستثمار السلبي وصناديق الاستثمار المتداولة ذات الدخل الثابت. انضم إلى شركته، "فلو تريدرز" Flow Traders، في تموز (يوليو) 2015 وتولى منصب رئيس التداول قبل عام. لم يسبق له العمل قط في أحد المصارف ولم يتداول مع جهاز تيليكس.
يقول بيريرا إن الافتقار إلى الإلمام بالنظم القديمة يعطيك مجالا للحرية. يشبه سوق السندات بـ "تحدي الخطمي" الذي ابتكره المصمم بيتر سكيلمان: على الفريق أن ينشئ بسرعة أطول هيكل يمكنه دعم الخطمي باستخدام 20 قطعة من السباغيتي ومتر من الشريط وقطعة من الخيط. فاز أطفال ما قبل المدرسة باستمرار على خريجي كلية إدارة الأعمال والمحامين والمديرين التنفيذيين.
يقول: "إنهم (الأطفال) لا يفكرون في قواعد الفيزياء وما هو منطقي. إنهم في الحقيقة يحاولون فقط التفكير فيما ينجح".
يتخذ مبتكرو سوق السندات نهجا مماثلا. الشركات مثل "فلو تريدرز"، إلى جانب منافساتها مثل "جين ستريت كابيتال" Jane Street Capital و"سوسكوهانا كابيتال" Susquehanna International، تصنع السوق في صناديق الاستثمار المتداولة في البورصة، حيث تعرض للمستثمرين سعرا لشراء أو بيع الأسهم. في أسواق الدخل الثابت يتم إنشاء صناديق الاستثمار المتداولة عن طريق تبادل سلة من السندات - عادة ما تكون 100 أو نحو ذلك - مع مزود صناديق متداولة في البورصة لعدد محدد من أسهم الصناديق المتداولة التي يمكن تداولها بعد ذلك مثل الأسهم الفردية. بالمقابل، يمكن استبدال الأسهم بالسندات الأساسية.
من خلال عملية "الإيجاد والاسترداد"، ينتهي المطاف بصناع السوق مثل "فلو تريدرز" إلى التداول ليس فقط في الصناديق المتداولة ولكن أيضا في سوق سندات الشركات الأساسية. مع تدفق الأموال في صناديق الاستثمار المتداولة، زاد حجم التداول من قبل اللاعبين الجدد.
أرسى ذلك الأساس لنهوض تجارة المحافظ، حيث القدرة على تداول سندات متعددة في وقت واحد تكتسب الآن أهمية جديدة، خصوصا بالنسبة للمصارف التي تتوق إلى اكتساب الأعمال الناشئة.
لكنها طرحت تحديات. كيف يقيم المتداولون مئات السندات الفردية وتقليلها إلى سعر واحد قابل للتداول؟ الجواب، مرة أخرى، من خلال التكنولوجيا – استخلاص البيانات من تداولات تم الإبلاغ عنها تنظيميا وأسعار صناديق الاستثمار المتداولة المدرجة في البورصات.
حتى قبل ظهور صناديق الاستثمار المتداولة ذات الدخل الثابت في الأعوام الأخيرة، كان هناك تحرك بطيء نحو تداولات السندات الإلكترونية، ما زاد من كمية معلومات الأسعار العامة. الآن تمثل المنصات الإلكترونية، مثل "ماركيت أكسيس" MarketAxess و"تريد ويب" Tradeweb، مجتمعة 34 في المائة من جميع صفقات سندات الشركات ذات التصنيف الأعلى والاستثماري.
مع مزيد من المعلومات المتاحة بدأت منصات التداول، إلى جانب شركات البيانات الأخرى، في إنتاج أسعار إرشادية مركبة لمجموعة من السندات. كما طورت المصارف وشركات التداول نماذجها الخاصة لتسعير الأوراق المالية إلكترونيا، وغالبا باستخدام أسعار الطرف الثالث كمدخلات.
يقول جون كلاين، رئيس قسم السندات الأمريكية ذات الدرجة الاستثمارية ورئيس منتجات الائتمان الكلي في الولايات المتحدة في "بانك أوف أمريكا": "التطور الحاصل في الائتمان - مع وجود صناديق الاستثمار المتداولة في المركز - يدور حول تسعير الأطراف الثالثة. هناك راحة متزايدة في استخدام أسعار الطرف الثالث التي تغير وجه الائتمان".
هذا يعني أنه يمكن تسعير جدول بيانات "إكسل" Excel المليء بعشرات، أو حتى المئات من السندات المختلفة خلال دقائق. يقول "بانك أوف أمريكا" إنه يستطيع تسعير محفظة مكونة من 100 سند خلال خمس دقائق، وحتى أكثر الصفقات الصعبة عادة ما يتم تسعيرها خلال أقل من ساعة واحدة. المصارف الأخرى تعطي أطرا زمنية مماثلة.
تقول شركة جين ستريت إن حجم تجارة محفظة واحدة يمكن أن يراوح بين عشرة سندات وألف سند مختلف، بحيث تصل قيمتها إلى أكثر من مليار دولار. على مدار عام 2019 أكملت "جين ستريت" 66 مليار دولار من عمليات المحفظة الائتمانية، ارتفاعا من 12.5 مليار دولار فقط في النصف الثاني من عام 2018، عندما بدأت في تنفيذ هذه المعاملات.
يقول مات بيرجر، رئيس قسم تداولات الدخل الثابت في شركة جين ستريت: "كان تداول المحفظة مجرد امتداد طبيعي جدا للعمل الذي كنا نؤديه. إنها ليست فكرة جديدة تماما، لكنها بدأت تصبح حدثا يوميا في العام الماضي".
في الوقت الذي أخذت تستجيب فيه المصارف من خلال إنشاء شركات متخصصة في تداولات المحافظ، توسعت هذه الممارسة لتشمل عملاء آخرين. انجذب مديرو الصناديق الذين يعانون ضائقة مالية إلى إمكانية تداول عدد كبير من السندات مرة واحدة في محاولة لخفض التكاليف.
يقول دان فاينر، الرئيس العالمي لتداولات الدخل الثابت في شركة بلاك روك: "قبل عامين، كان تسعير 800 سند عبارة عن ممارسة عملية من قبل الجميع على مدار اليوم. الآن يمكن فعل ذلك في غضون دقائق".
يمكن لظهور تداول المحافظ أن يعالج أحد أكبر مخاوف الاستقرار المالي التي ظهرت خلال العقد الماضي.
تقليديا، عندما عانى مديرو الأصول حالات سحب المستثمرين لأموالهم، لم يكن لديهم خيار سوى جمع الأموال بسرعة عن طريق بيع سنداتهم الأكثر سيولة. كان يمكن لهذا أن يدفع الأسعار إلى أدنى ويجعل محافظ الصناديق أكثر خطورة، ما يؤدي إلى تفاقم مخاوف المستثمرين ودفع مزيد من عمليات السحب.
في الصيف الماضي أخبر مارك كارني، محافظ بنك إنجلترا، لجنة برلمانية أن الصناديق التي وعدت المستثمرين بأنهم يستطيعون سحب الأموال في أي وقت أثناء الاستثمار في الأوراق المالية التي نادرا ما يتم التداول بها - مثل عديد من سندات الشركات - "مبنية على كذبة"، وأن المخاطر "يمكن أن تكون منهجية".
يقدم تداول المحافظ حلا ممكنا. بدلا من بيع كمية كبيرة من السندات، يمكن لمدير الأصول بيع كمية صغيرة من السندات بسرعة، والمحفظة التي يمتلكونها بعد ذلك تبدو إلى حد كبير أقرب إلى السندات الأولية، لكن على نحو أصغر فقط. كينج، من "سيتي"، يرى أن هذا يمكن أن يخفف من المخاوف بشأن دوامة الهبوط نحو عدم السيولة.
يقول: "لا نرى أن هذا يحل جميع المخاوف النظامية، ولا سيما فيما يتعلق بتجمع المستثمرين. لكن على الأقل نعتقد أن هذا له القدرة على إحداث ثورة في طريقة تفكير مديري المحافظ الفردية في إدارة السيولة اليومية".
المصارف تكافح لمواكبة هذه الصناعة من خلال الاستثمار في البنية التحتية الإلكترونية. إحساسها بالإلحاح تؤكده حقيقة أن معظمها يدعي أنه "رائد السوق" أو "المبتكر" في التداول الإلكتروني، أو في محفظة التداول في السندات.
يتساءل بعض المصرفيين عما إذا كان ما يحدث في أسواق السندات سيكرر ما حدث لتداول الأسهم. في الوقت الذي أخذت فيه هذه السوق تتحول إلى الطابع الرقمي، ارتفع حجم التداولات إلى عنان السماء، لكن تراجع هامش الربح في كل صفقة. ذهب مزيد ومزيد من أرباح التداول إلى عدد قليل من الشركات التي لديها أكبر حصة في السوق. أصبح التداول النقدي العادي للأسهم، على عكس تداول المشتقات أو غيرها من المنتجات المعقدة، عملا غير جذاب بالنسبة المصارف وتحول إلى لاعبين جدد.
بحسب بعض المحللين، من المرجح أن يصبح تداول السندات لعبة أكبر نطاقا، ينخفض معها إجمالي ربح التداول لهذه الصناعة، حتى مع ازدهار أكبر اللاعبين.
يقول فيل أليسون، رئيس قسم التداول الآلي للدخل الثابت في "مورجان ستانلي": "أحد الأشياء التي نعرفها جميعا هو أنه بمجرد أن تتوافر لديك آلات تقدم الخدمات، فإن القدرة على زيادة السعة في جانب البيع خلال فترة زمنية قصيرة نسبيا لا حدود لها. النتيجة الحتمية لذلك هي بلا شك درجة من ضغط الهامش".
في الوقت نفسه، بدأت قبضة المصارف على الصناعة في التراخي. شركات التداول عالي التردد التي أتت أولا إلى المصارف بصفتها من العملاء تعثر الآن على طرق جديدة للتداول على منصات السندات الإلكترونية، وفي بعض الحالات تتصل مباشرة بقاعدة عملاء المصارف من مديري الأصول وصناديق التحوط.
شهدت "تريد ويب" ارتفاع أحجام تداول المحافظ الفصلية على منصتها من 2.7 مليار دولار بعد أن أطلقت الخدمة في الربع الأول من عام 2019، إلى ما يقارب 18 مليار دولار في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام. كذلك "ماركيت أكسيس"، أكبر منصة أمريكية لتداول السندات الإلكترونية للشركات، تقول إن أحد عملائها الكبار في موقعها الجديد، "أوبن تريدينج" Open Trading ، حيث يمكن لأي شخص التداول مع الجميع، هي شركة جين ستريت، ما يبرز أهمية هذه الشركات الجديدة.
يقول جو جيراسي، الرئيس المشارك لمنتجات الهوامش في "سيتي"، إذا استمرت شركات التداول عالية السرعة في زيادة وجودها في تداول سندات الشركات، فإن الهوامش على فروق أسعار العطاء على أكبر السندات السائلة (المكونات الرئيسية لصناديق الاستثمار المتداولة في البورصة) ستذهب إلى الأدنى. قد تضع الهوامش المتدنية ضغطا على ربحية مكاتب التداول في المصارف. وربما تحتاج نماذج الأعمال إلى تعديل.
هناك كثير من المال على المحك. يقول العاملون في الصناعة إن ما بين خمس وثلث إيرادات المصارف Ficc (الدخل الثابت والعملات والسلع) يأتي من تداول سندات الشركات. وبلغ إجمالي عائدات تداول Ficc لدى أفضل خمسة لاعبين، وهم "جيه بي مورجان" و"سيتي جروب" و"بانك أوف أمريكا" و"جولدمان ساكس" و"مورجان ستانلي" - أكثر من 48 مليار دولار في عام 2019.
سيكون عملاء المصرف سعداء إذا كانت الهوامش ضيقة - فهذا يعني أنهم يدفعون أقل مقابل التداول. لكن بعض المشاركين يقولون إن هناك عوامل أخرى يجب أن تؤخذ في الحسبان.
ظهور التكنولوجيا الجديدة يجلب معه احتمال مخاطر جديدة. في حين أن بعض المصرفيين يعترفون بأن تداول المحافظ سيجعل من السهل شراء وبيع حتى أكثر السندات غير المحبوبة، يقول آخرون إن السندات التي لا تتناسب بشكل جيد مع صناديق الاستثمار المتداولة الكبيرة، خاصة سندات الشركات المصدرة الأصغر حجما، قد تجد أن الناس يعزفون عن سنداتها. إذا حدث هذا، فقد يعني أن السندات ستتداول بسعر مخفض، ما يزيد من تكلفة تمويل الشركات الصغيرة.
يقول جيراسي: "يمكننا أن نرى تشعبا متناميا بين الأوراق المالية التي يمكن تسليمها في سلال الصناديق المتداولة (والأوراق التي ليست كذلك)".
مصدر قلق آخر هو أن الثقة بتسعير الطرف الثالث يمكن أن تفسح المجال للتهاون. التقييم الذي يتم إنشاؤه من البيانات القديمة أو غير الدقيقة يمكن بسرعة أن يصبح ثابتا في السوق من خلال نشاط تداول يقبل بالوضع القائم، ثم بعد ذلك يتفكك بشكل سريع بمجرد اكتشافه. تقول سونالي ثيسن، رئيسة هيكل سوق الدخل الثابت والتداولات الإلكترونية في "بانك أوف أمريكا": "هناك إمكانية لغرفة صدى للسندات غير السائلة".
أخيرا، هناك مخاوف من أن التحول الإلكتروني يجعل الأسواق عرضة للانفجارات المفاجئة التي لا يمكن للمتداولين التنبؤ بها ويكافحون لاحتوائها. يقول أحد المسؤولين التنفيذيين في أحد المصارف: "مرت كل سوق إلكترونية بحادث يشتمل على نوع من الانهيار الخاطف. سرعة دورة أجهزة الكمبيوتر أسرع بكثير من البشر".
يقول المصرفيون ومنصات التداول ومديرو الأصول إن لديهم ضمانات لحماية أنفسهم لكن احتمال حدوث ثغرات غير متوقعة يظل قائما.
يقول فاينر، من شركة بلاك روك: "الخبر السار مع ذلك هو أن لدينا مخططا لكيفية تجنب ذلك في سوق الأسهم".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES