Author

أزمة تكنولوجية بين واشنطن وبكين

|


الاتفاق التجاري الذي أبرمته الولايات المتحدة مع الصين ليس نهائيا. إنه في الواقع هدنة في حرب تجارية جارية بينهما منذ عام ونصف العام، تفاقمت في بعض المحطات، إلى درجة أن فرض الطرفان على سلع بعضهما رسوما جمركية إضافية في عمليات انتقامية واضحة. ورغم أن المسؤولين في كلتا الدولتين يتحدثون عن إمكانية كبيرة لعقد اتفاق نهائي على الصعيد التجاري، بصرف النظر عن المدة التي يستغرقها، إلا أن قضية محورية عالقة يرى بعض المراقبين أنه من الصعب حلها، وبالتالي ستنعكس سلبا على أي حراك تفاوضي حقيقي مستقبلي بين بكين وواشنطن. هذه القضية تتعلق حصرا بالميدان التكنولوجي، الذي ترى الإدارة الأمريكية أنه أساسي في أي تفاهم لاحق. وهذا الجانب في الواقع يشمل خلافات حادة جدا أيضا بين الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية الكبرى، ولا سيما فرنسا وألمانيا وبريطانيا.
المهم الآن أن المسألة التكنولوجية تسود أجواء المفاوضات التجارية في مرحلتها الثانية بين أكبر اقتصادين في العالم. فإدارة الرئيس دونالد ترمب، رفعت منذ وصولها إلى السلطة شعارا واضحا، وهو أن الصين "تسرق" التكنولوجيا الأمريكية بشكل خاص، ولا تقوم بأي محاولات لمنع هذه "السرقة". ناهيك عن الاتهامات الكبيرة الأخرى للحكومة الصينية بأنها تتلاعب بعملتها الوطنية. وظهر الخلاف التكنولوجي بين هذين القطبين على ساحة منتدى "دافوس" الاقتصادي الذي عقد في سويسرا أخيرا، مع ترك مساحات واسعة أمام المتابعين للتشكيك في مدى صمود الاتفاق التجاري المبدئي بين الطرفين. ورغم أن المسؤولين الأمريكيين المشاركين في "دافوس" حاولوا احتواء هذا الخلاف على منصة المنتدى المذكور، إلا أن الأمر خطير جدا ومتفجر أيضا.
والخلافات على صعيد "سرقة" التكنولوجيا تعاظمت أكثر في أعقاب قيام الولايات المتحدة بمنع أي نشاط لشركة "هاواي" الصينية الرائدة في مجال الجيل الخامس على الإنترنت على الساحة الأمريكية. وذهبت واشنطن أبعد من ذلك في الأشهر الماضية، عندما وجهت تهديدات لعدد من الدول الأوروبية "من بينها بريطانيا" بفرض عقوبات عليها إذا ما عقدت اتفاقات مع الشركة الصينية لتطوير شبكات الإنترنت فيها. والتهديدات الأمريكية هذه تستند أساسا إلى أن إفساح المجال أمام "هاواي" في دول حليفة للولايات المتحدة، سيشكل خطرا على الجانب الأمني فيها، وبالتالي على التعاون في مجالات الأمن مع الدول الأوروبية المعنية نفسها. وقبل أيام أعلنت واشنطن رسميا أنها ستفرض عقوبات على لندن إذا ما أكملت الاتفاق مع الشركة المشار إليها.
على كل حال، تبقى القضية التكنولوجية المحور الرئيس في المفاوضات الصينية - الأمريكية التي بدأت مرحلتها الثانية فور التوقيع على المرحلة الأولى، بحسب نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس. ومشكلة "هاواي" مع الولايات المتحدة تختصر بالفعل الحالة كلها، خصوصا مع قيام دول ناشئة في اعتماد هذه الشركة في تطوير شبكاتها الإلكترونية. والمشكلة الكبرى هنا، أن الحكومة الصينية وضعت برنامجا طموحا تحت عنوان "صنع في الصين 2025" لتعزيز تكنولوجياتها، الأمر الذي يزيد من صعوبة التفاوض حول هذا الأمر مع الولايات المتحدة. هذا القضية مرشحة للتفاعل في المرحلة المقبلة، وستضيف مزيدا من العقبات أمام أي تفاهمات تجارية ثنائية مقبلة، إلا إذا تحلى الطرفان بالمرونة المطلوبة. دون أن ننسى، أن الاتفاق التجاري المبدئي تم بالفعل نتيجة حدوث هذه المرونة بين الطرفين المتصارعين تجاريا.

إنشرها