تقارير و تحليلات

استراتيجية التسعير الجديدة للإصدارات السعودية الدولية تحقق 6 أهداف .. أبرزها تخفيف العبء على الخزانة

استراتيجية التسعير الجديدة للإصدارات السعودية الدولية تحقق 6 أهداف .. أبرزها تخفيف العبء على الخزانة

استراتيجية التسعير الجديدة للإصدارات السعودية الدولية تحقق 6 أهداف .. أبرزها تخفيف العبء على الخزانة

أظهر أول طرح سعودي للسندات الدولية المقومة بالدولار خلال العام الجاري، أن للحكومة السعودية سياسة متشددة مكنت من تصحيح "تشوه" منحنى العائد، الذي ظهر قبل عامين.
وأكد لـ"الاقتصادية" مصدر مطلع على المحادثات التي تمت خلال الساعات الأخيرة المتعلقة بفتح دفتر الطلبات أمام مستثمري الأسواق الناشئة، أن السعودية مارست سياسة تسعيرية حاذقة تكللت بالضغط على البنوك التي رتبت إصدار خمسة مليارات دولار الأسبوع الماضي من أجل تصحيح "تشوه" منحنى العائد، الذي نجح في خصم 65 نقطة أساس على شريحة 35 عاما التي تم تسعيرها على افتراض كأن المملكة كانت تنوي إصدار شريحة 30 عاما جديدة، في إشارة إلى سياسة التسعير المتشددة التي تم انتهاجها التي أدت إلى تبخر علاوة التسعير على شريحة 35 عاما.
من المتعارف عليه في أسواق الدخل الثابت أن تكلفة التمويل تزداد مع طول أجل الاستحقاق "تترجم عبر إضافة نقاط أساس أكثر" وتنخفض هذه التكلفة مع الآجال القصيرة.
وبحسب تحليل وحدة التقارير في صحيفة "الاقتصادية" أسهمت استراتيجية التسعير الجديدة في تحقيق ستة أهداف، أولها تحقيق التسعير العادل والمستحق للدولة التي مكنتها جدارتها الائتمانية من تحقيق خامس أعلى تصنيف ائتماني من الدرجة الاستثمارية "من وكالة موديز". وثاني الأهداف تصحيح تشوه منحنى العائد المتركز على استحقاقات الآجال الطويلة.
أما ثالث الأهداف وأهمها فيتمثل في أن تلك "الصدمة التسعيرية" الجريئة من شأنها إحداث "آثار متتابعة" في آجال الاستحقاق الأخرى كافة التي تنضوي تحت منحنى العائد الذي ستتم "إعادة تسعيره" بشكل تلقائي "من خلال تفاعل تلك الشرائح الثلاث الحديثة" عبر التداولات الثانوية لإصدارات السندات والصكوك الصادرة عن الحكومة السعودية التي بلغ تعدادها 18 إصدارا قائما بعدما كانت في وقت سابق 15، حيث تأكد أن إعادة تسعير منحنى العائد قد بدأت بالفعل.
ويتمحور الهدف الرابع من تلك الاستراتيجية في تجنيب خزانة الدولة دفع فوائد إضافية على مدفوعات الأرباح السنوية لمستثمري أدوات الدين، الأمر الذي يخفض تكلفة التمويل بشكل جوهري وإيجابي على الخزانة، إضافة إلى ذلك أن الإصدارات المستقبلية للمملكة ستكون بتكلفة متدنية بسبب استرشاد المستثمرين بالتسعيرات الأخيرة للإصدارات السابقة.
ويدور الهدف السادس حول تمكين الشركات الحكومية أو تلك العاملة في القطاع الخاص من القدرة على الاستدانة بتكلفة أقل عن ذي قبل مع أطروحاتهم المقومة بالعملة الدولارية، بعد التراجع الحالي للهوامش الائتمانية على آجال الاستحقاق الطويلة والمتوسطة للإصدارات الحكومية.
وتجلى الهدف السادس بوضوح في إصدار سندات مجموعة سامبا المالية الأسبوع الماضي، الذي جاء بعد إغلاق الإصدار السيادي، حيث استفادة البنك المدرج في الأسهم السعودية من حجم الطلب المتواصل على الديون القادمة من المملكة، وتم تسعير الإصدار "بشكل إيجابي" وبالتحديد كان بمقدار يلامس خمس نقاط أساس داخل منحنى العائد الخاص بـ"سامبا"، بحسب تقرير موقع "جلوبال كابيتال" البريطانية.
ويتوافق ذلك مع تحليل وحدة التقارير في صحيفة "الاقتصادية"، الذي أظهر أن الهامش الائتماني لشريحة الأعوام الخمسة "من السندات التي أصدرها المصرف في أكتوبر الماضي" بلغ قبل أربعة أشهر 140 نقطة أساس قبل أن يتقلص بشكل كبير مع شريحة الأعوام السبعة "مع إصدار الأسبوع الماضي"، التي بلغ هامشها الائتماني 130 نقطة أساس.
ويعرف منحنى العائد بأنه خط يحدد الفائدة على أدوات الدين في وقت بعينه تمتلك فيه جهة الإصدار جدارة ائتمانية متوازنة، لكنها متباينة من حيث الاستحقاق، حيث يكون هناك على سبيل المثال فارق فائدة بين الصكوك والسندات لأجل خمسة أعوام ولأجل 30 عاما.

تجنيب الفوائد العالية

كانت "الاقتصادية" قد نشرت تحليلا لها "خصصته للجانب التسعيري" في 23 يناير الجاري وذكرت فيه أن وزارة المالية قد انتهجت "سياسة تسعير جريئة" أسهمت في تجنيب السعودية دفع فوائد مالية لا داعي لها، على إصدار خمسة مليارات دولار.
وتمكن المركز الوطني لإدارة الدين التابع لوزارة المالية من تسعير شرائح الإصدار الثلاث "من سبعة أعوام و12 عاما و35 عاما" لتكون داخل منحنى العائد السيادي، حيث سعرت الشرائح كافة بخصم، إذ لم تجتذب أي علاوة سعرية.
وأشار التحليل إلى أن جهة الإصدار لم تترك أي "نقاط أساس" إضافية على طاولة مستثمري أسواق الدخل الثابت، في توجه قد يعني أن "المركز الوطني لإدارة الدين" أخذ يتشدد بشكل جلي في الجانب التسعيري، الذي ظهر أثره الإيجابي في نجاحه من تمكين المملكة من الاستدانة من الأسواق العالمية بتكلفة متدنية.
وأظهر أن مقدار الخصم الذي اجتذبته شرائح الإصدار الثلاث، راوح ما بين ست نقاط أساس و65 نقطة أساس، إضافة إلى ذلك، يقوم العاملون في أسواق الدين بتسعير السندات والصكوك ارتكازا على "نقاط الأساس" المنبثقة من هوامش الائتمان لجهة الإصدار وكذلك "مؤشر القياس" الذي يستعان به.
وتترجم نقاط الأساس تلك إلى عشرات أو مئات الملايين من الدولارات "وفقا لإجمالي حجم كل إصدار" التي تدفعها جهات الإصدار على شكل أرباح دورية للمستثمرين.
وعليه، فالانخفاضات الملحوظة حاليا على منحنى العائد السيادي للسعودية تعد إيجابية لخزانة الدولة وإصداراتها المستقبلية.
وجاء السعر الاسترشادي لشريحة 35 عاما عند 180 نقطة أساس ليضيق إلى 160.2 نقطة أساس، ليصبح العائد النهائي "السنوي" الذي تدفعه السعودية لمستثمري الدخل الثابت 3.75 في المائة.
ومن أجل تحديد القيمة العادلة للإصدار السعودي، استعانت "الاقتصادية" بإصدارين دولاريين من السندات التي أصدرتها المملكة في السابق.
واتضح من خلال حسابات وحدة التقارير في "الاقتصادية"، أن المعدل المتوسط الخاص بالهامش الائتماني للقيمة العادلة لشريحة 35 عاما نحو 225 نقطة أساس، إلا أن الهامش الائتماني النهائي كان 160.2 نقطة أساس، الأمر الذي يعني أن هذه الشريحة أغلقت بخصم يصل إلى 65 نقاط أساس، في خطوة تسعيرية جريئة، وصفتها الصحيفة في حينها، بأنها "لم يتوقعها المراقبون لسير عملية الإصدار".
وفي الإطار ذاته، أشاد محمد الجدعان وزير المالية في مقابله تلفازية مع قناة "بلومبيرج" على هامش مشاركته في المنتدى الاقتصادي العالمي في مدينة دافوس، خلال اللقاء الذي اطلعت عليه الصحيفة بمستوى التسعير إضافة إلى مستوى الطلب.
وأشار إلى أن المستثمرين بدأوا بتسعير الإصدار الحديث بالطريقة الصحيحة، حيث إن المملكة تمكنت من تخفيض التسعير بشكل كبير جدا مقارنة بإصدارات الأعوام الماضية.
في حين وصفت مذكرة بحثية "عن إدارة الدخل الثابت" لبنك أبو ظبي الأول أن السعودية قد تمكنت من تقليص الهامش الائتماني لأطول استحقاقاتها "أي شريحة 35 عاما" مقارنة بالإصدار الثلاثيني السابق، الذي تم في 2019.
في حين أكد تحليل "جلوبال كابيتال" أن السعودية تمكنت من تسعير جميع الشرائح الثلاث "داخل منحنى القياس" الخاص بها.

بداية التشوه والتصحيح

منذ أن شرعت السعودية في إصدارات السندات الدولية، كانت السندات الثلاثينية حاضرة خمس مرات منذ 2016، إذ كان تسعير الهامش الائتماني طبيعيا في 2016 "عندما كان 210 نقاط أساس" ومن ثم استمرت المنهجية الجريئة في التسعير ليصبح في العام التالي 180 نقطة أساس.
لكن ما يعرف عند المتخصصين في أسواق الدخل الثابت بـ"تشوه منحنى العائد" distortion to yield curve ظهر للمرة الأولى في 2018 بسبب شريحة 31 عاما عندما كان هامشها الائتماني عند 210 نقاط أساس واستمر ذلك في العام الذي تلاه مع شريحة أخرى من الأجل نفسه عند 230 نقطة أساس.
لذلك فإن "الصدمة التسعيرية" التي أحدثها المركز مع إصدار 2020 عندما سعر الهامش الائتماني لشريحة 35 عاما عند 160.2 نقطة أساس، تعد بمنزلة "تصحيح" لظروف الإصدار التي أحدثت "التشوه التسعيري على جانب الاستحقاقات الطويلة" قبل عامين.

إصدار ثان باليورو

كان وزير المالية ذكر في لقائه المتلفز مع "بلومبيرج" أن السعودية تفكر في طرح سندات باليورو ، لكن هذا الأمر يعتمد على ظروف السوق.
وحققت أداتا الدين السعوديتان الوحيدتان المقومتان بعملة اليورو أرباحا ملحوظة بقيمتيهما الاسميتين للمستثمرين بعد مرور ستة أشهر على طرحهما في أسواق الدين الخاصة بالقارة الأوروبية.
وأظهر رصد لـ"الاقتصادية" لإغلاقات نهاية العام الماضي، تسجيل أرباح في محافظ المستثمرين وصلت ما بين 2.59 و3.41 في المائة بعد الارتفاعات الملحوظة في القيمة الاسمية.
وجاء الأداء المتميز في الأسواق الثانوية بعد أن حققت السندات الثماني "التي يحين أجل استحقاقها في 2027" أرباحا تتعدى قيمتها الاسمية بـ2.59 في المائة، إذ جاء إغلاق النطاق المتوسط لتلك الشريحة في بورصة لندن عند 102.6 سنت لليورو، مع العلم أن أعلى نطاق سعري سجلته منذ إدراجها حتى كانون الأول (ديسمبر) الماضي كان 104.7 سنت لليورو.
وفي الإطار ذاته انعكس الطلب الواضح على سندات السعودية العشرينية إيجابيا على المكاسب المالية التي حققتها تلك الورقة المالية على أدائها خلال الأشهر الستة الأخيرة، بعد سعي مستثمري القارة الأوروبية نحو عائد التوزيعات الدورية الإيجابية، وحققت سندات السعودية ذات الأجل الطويل "يحين أجل استحقاقها في 2039" مكاسب بلغت 3.41 في المائة وهي تتداول حاليا عند مستويات 103.6 سنت لليورو، وكان أقصى ارتفاع سجلته في شهر أيلول (سبتمبر) 2019 عندما تداولت عند مستويات 113.2 سنت لليورو".

إتمام الطرح

كانت وزارة المالية قد أعلنت الأسبوع الماضي، من خلال المركز الوطني لإدارة الدين، الانتهاء من استقبال طلبات المستثمرين على إصدارها الدولي السادس للسندات ضمن برنامج حكومة السعودية الدولي لإصدار أدوات الدين.
ووصل المجموع الكلي لطلبات الاكتتاب إلى أكثر من 23 مليار دولار، حيث تجاوزت نسبة التغطية أكثر من أربعة أضعاف إجمالي الإصدار.
وبلغ إجمالي الطرح خمسة مليارات دولار "ما يعادل 18.75 مليار ريال سعودي" مقسمة على ثلاث شرائح، هي مليار دولار "ما يعادل 3.75 مليار ريال" لسندات سبعة أعوام استحقاق عام 2027، و1.25 مليار دولار "ما يعادل 4.68 مليار ريال" لسندات 12 عاما استحقاق عام 2032، و2.75 مليار دولار "ما يعادل 10.31 مليار ريال" لسندات 35 عاما استحقاق عام 2055.

الطرح الأول من اليورو

يذكر أن السعودية قد أدارت في تموز (يوليو) 2019 باكورة إصدارتها من أدوات الدخل الثابت المقومة بعملة القارة الأوروبية، بعد أن بلغ إجمالي الطرح ثلاثة مليارات يورو "ما يعادل 12.70 مليار ريال".
وتم تقسيم الطرح على شريحتين، مليار يورو "ما يعادل 4.2 مليار ريال" لسندات ثمانية أعوام استحقاق عام 2027، ومليارا يورو "ما يعادل 8.4 مليار ريال" لسندات 20 عاما استحقاق عام 2039.
معلوم أن العائد النهائي لشريحة ثمانية أعوام بلغ 0.75 في المائة "ويدفع على شكل سنوي". في حين بلغ العائد النهائي لشريحة الـ20 عاما 2.00 في المائة.
وكان التوزيع الجغرافي لإصدار السعودية من السندات المقومة باليورو في تموز (يوليو) قد كشف عن وجود لافت للمستثمرين الألمان والإيطاليين والسويسريين.
كما عزز المستثمرون البريطانيون وجودهم التقليدي مع إصدارات السعودية السابقة عندما انتزعوا المرتبة الأولى، التي كانت تحجز في العادة لمستثمري الولايات المتحدة مع الإصدارات المقومة بالدولار، ذلك بنسبة تخصيص "لكلتا الشريحتين" وصلت إلى 28 في المائة.
واستحوذ الألمان على المرتبة الثانية من حيث التخصيص بنسبة 22.5 في المائة.
ولوحظ كذلك وجود لافت من المحافظ الإيطالية والسويسرية بمعدل تخصيص متوسط بلغ 17 في المائة، في حين حاز مديرو الأصول أعلى تخصيص لنوعية المستثمرين بنسبة 57.5 في المائة.
وبات واضحا تحقيق السعودية هدفها بإيجاد مستثمرين جدد بجيوب جديدة، حيث شهد الإصدار المقوم بعملة اليورو دخول سيولة جديدة تشاهد لأول مرة مع الإصدارات السعودية وهي سيولة قادمة من المستثمرين الذين يركزون على فئة معينة من الأصول ذات التصنيف الاستثماري investment grade، وكذلك دخول سيولة من الصناديق المتخصصة التي لا تستثمر إلا بعملة اليورو، وهذه الفئة الأخيرة لا تستطيع شراء السندات السيادية السعودية "المقومة بالدولار" بحكم القيود الاستثمارية التي تحكم أنشطة الصندوق.
ولوحظ كذلك وجود لصناديق التحوط ذلك عندما اشتروا 6.5 في المائة من السندات، ما يعني أن تلك الصناديق تراهن على أسعار النفط المستقبلية.
ويعني تخصيص 10 في المائة لحكومات القارة الأوروبية وبنوكها المركزية ثقة تلك الجهات بالسعودية وخططها الإصلاحية الاقتصادية.

أقل عائد

كانت "الاقتصادية" أشارت في 2 تموز (يوليو) الماضي إبان تغطيتها الخاصة لإصدار سندات اليورو، إلى أن الجهة التي تدير "مؤشرات السندات"، وهي مؤشرات سندات "جي بي مورجان" للأسواق الناشئة، أن الإصدار السعودي القادم مؤهل للانضمام لمؤشر سندات اليورو المعروف بـ EURO EM--BIG.
وذكرت في حينه أنه من المنتظر أن يعزز ذلك الانضمام الطلب على الإصدار السعودي خلال التداولات الثانوية بعد أن يتم إدراج الشريحتين.
وذكرت أن عائد شريحة الأعوام الثمانية يعد أقل عائد تم تسجيله في تاريخ إصدارات السعودية الدولية المقومة بالعملات الصعبة، ويقوم افتراض الصحيفة باعتبار استخدام متحصلات الإصدار المقومة باليورو وتوجيهها نحو أغراض مقومة بعملة الإصدار نفسها، من دون الحاجة إلى استبدال عملة الإصدار بعملة أخرى.
وعلى الرغم من تفاوت المصادر التي تحدد العدد الفعلي للدول المنضوية تحت مسمى "الأسواق الناشئة أو الصاعدة" فإن هناك إجماعا على أن تعداد تلك الدول يراوح بين 38 دولة و45 دولة، ضمنها دول الخليج وروسيا والصين وكوريا والهند.

* وحدة التقارير الاقتصادية
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من تقارير و تحليلات