Author

لماذا الاهتمام بالصكوك الإسلامية في بريطانيا؟

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية


الصكوك الإسلامية واحدة من الأدوات المالية التي تقدم التمويل للمؤسسات في القطاع الخاص أو الشركات أو حتى الحكومات، وتقوم فكرتها على الاستفادة من الأصول في عملية التمويل سواء من خلال بيع الأصول بالآجل، لتتمكن الجهة التي تحتاج إلى التمويل من شرائها مؤجلا وبيعها عاجلا للاستفادة من السيولة، من خلال عقد المرابحة أو الحصول على تمويل من خلال عقد المشاركة أو الإجارة، وفق ضوابط محددة في الشريعة الإسلامية، وتهدف مثل هذه العملية إلى توفير السيولة للجهات التي تحتاج إليها، إضافة إلى أنها توفر أداة من أدوات الاستثمار منخفض المخاطر للمستثمرين، وقد نما حجم الصكوك الإسلامية بصورة كبيرة، ولعل الإصدارات الحكومية وفي القطاع الخاص في المملكة كان لها دور كبير في زيادة حجم تلك الصكوك، وزيادة الثقة بها محليا وعالميا.
في خبر نشر على بعض المواقع الإلكترونية منها "العربية نت"، دعا مكتب إدارة الدين في بريطانيا المصارف إلى المساعدة على بيع ثاني إصدار للبلاد من الصكوك السيادية، وبريطانيا تعد أول دولة غربية تصدر صكوكا إسلامية، حيث كان أول إصدار لها عام 2014، عندما جمعت 200 مليون جنيه استرليني، من إصدار كانت مدته خمسة أعوام بلغت فيه طلبات الاكتتاب حينها عشرة أضعاف المعروض، بحسب وكالة "رويترز" للأنباء، نقلا عن موقع "العربية نت".
والحقيقة، إن الصكوك الإسلامية أصبحت اليوم أكثر انتشارا وموثوقية، وتتميز بأنها تعتمد على الأصول كمصدر للتمويل، وهذا يعزز موثوقيتها ويقلل المخاطر، خصوصا أن العالم اليوم يتحدث بقلق عن مستقبل القطاع المالي بعد التزايد الكبير في الديون السيادية للدول بصورة عامة.
إن الصكوك الإسلامية تتميز بأنها مصنفة ضمن الاستثمارات أو الأدوات المتوافقة مع الشريعة، ويمكن أن تجذب رؤوس الأموال التي تبحث عن مثل هذا النوع من الاستثمارات سواء المصارف الإسلامية أو الصناديق المتوافقة في أعمالها مع أحكام الشريعة أو مجموعة من المستثمرين، الذي يفضلون الاستثمارات في أدوات متوافقة مع الشريعة. ومن هنا جاء الاهتمام في الدول الغربية خصوصا بريطانيا بإصدار مثل هذا النوع من الأدوات، حيث إن من المعلوم أن بريطانيا اليوم وبعد الخروج من الاتحاد الأوروبي أصبحت تبحث عن بدائل، واستقطاب رؤوس أموال التمويل الإسلامي يعد هدفا لدى الحكومة البريطانية التي تحدثت أكثر من مرة عن رغبتها في أن تكون لندن مركزا للتمويل الإسلامي، وبعد المنافسة الكبيرة على قطاع التمويل الإسلامي خصوصا مع اهتمام منطقة مثل الخليج بهذا القطاع تحتد المنافسة على أصول التمويل الإسلامي، ومن هنا يأتي عزم الحكومة البريطانية على استقطاب جزء من رؤوس الأموال وتشجيع المستثمرين المهتمين بالتمويل الإسلامي على الاستثمار في بريطانيا، خصوصا عندما نعلم أن إصدار ديون سيادية من خلال التمويل الإسلامي عموما والصكوك الإسلامية خصوصا له دلالة واضحة على ترحيب الحكومة البريطانية باستثمارات التمويل الإسلامي. وهنا تأتي أهمية العمل على تكامل عناصر استدامة التمويل الإسلامي فرغم هذا النمو الكبير لحجم التمويل الإسلامي إلا أن المؤسسات الأكاديمية والتنظيمية أقل مما تحتاج إليه هذه السوق، فالدراسات الخاصة بالقضايا التشريعية جيدة، لكن الجوانب الفنية ودراسة جودة المنتجات وتقييمها وتصنيفها لا تزال أقل مما يجب، ما يجعل تنافسيتها للأدوات الأخرى أقل رغم كفاءتها، ولذلك من المهم وجود ودعم المراكز المختصة بالتمويل الإسلامي، ولعل هذا يمكن أن يوجد ميزة نسبية للمدن المهتمة بالتمويل الإسلامي. اهتمام بريطانيا يأتي في إطار البحث عن الفرص والبدائل واستدامة تدفق الاستثمارات، حيث إن إصدار الصكوك الإسلامية يمكن أن يولد وجود شركات مختصة بالاستثمارات المتوافقة مع الشريعة في بريطانيا، إضافة إلى مراكز دراسات مختصة وابتكار خيارات أخرى لزيادة استقطاب الاستثمارات المتوافقة مع الشريعة.
الخلاصة، طرح بريطانيا مزيدا من الصكوك الإسلامية سيكون له دور كبير لأن تحظى بحصة كبيرة على مستوى الدول الغربية والعالم من استثمارات التمويل الإسلامي التي تنمو بشكل ملحوظ عالميا، ويعزز تخفيف أثر خروجها من الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى إيجاد تنوع وبدائل لمصادر التمويل خصوصا فيما يتعلق بالديون السيادية، كما أن الاهتمام بالتمويل الإسلامي خصوصا في بريطانيا اليوم يمكن أن تكون له آثار غير مباشرة في استقطاب مزيد من الاستثمارات المتوافقة مع الشريعة، خصوصا أن هذا النوع من الاستثمارات على مستوى الحكومة البريطانية مؤشر على انفتاح الاقتصاد البريطاني بصورة أكبر على استثمارات التمويل الإسلامي.

إنشرها