Author

تنويع الاقتصاد وآثاره الإيجابية

|


لا يشك أحد في أن للنفط دورا كبيرا فيما حققته دول الخليج من نمو اقتصادي وازدهار طوال عقود، فقط استطاعت الحكومات تمويل مشاريع التنمية العديدة والاستثمار بشكل واسع في تنمية رأس المال البشري، وقد أدى النفط دوره بفاعلية، رغم موجات الصدمات النفطية التي أصبحت تمثل ظاهرة متلازمة للسوق النفطية، هذه الموجات المتتالية خاصة الموجة الأخيرة من الارتفاع القوي للأسعار التي تجاوزت مائة دولار ثم العودة بسرعة وانحدار شديد إلى مستوى 35 دولارا، عرضت العالم إلى تحديات هائلة، وأحدثت هذه الموجة بالذات تحولات أساسية في التنويع الاقتصادي، خاصة في جانب قطاع الطاقة الذي بدأت ملامحه تظهر مع نمو الطلب على الطاقة الشمسية ومصادر الطاقة المتجددة وحصتها المتزايدة من الاستثمارات الجديدة، الأمر الذي جعل الوكالة الدولية للطاقة ترى أن الطاقة الشمسية ستصبح أكبر مصدر منفرد للطاقة الكهربائية بحلول عام 2040، متجاوزة الفحم بعد عام 2030. وفي تقريرها السنوي تتوقع الوكالة أن يضيف العالم مائة جيجا واط من الطاقة الشمسية كل عام، هذا التحدي الكبير من المصادر المتجددة للطاقة ألقى بظلاله على قدرة النفط على الاستمرار كمصدر للنمو المستدام في دول الخليج خاصة، ولذا بدأت ملامح عصر جديد من التنويع الاقتصادي في المنطقة تقوده المملكة وتدعم به دول المنطقة كافة، ذلك وفق تقارير عالمية.
فقد رجح استطلاع لـ"رويترز" شمل آراء 26 خبيرا اقتصاديا أن يحقق الاقتصاد السعودي نموا بمعدل 2 في المائة في 2020 و2.2 في 2021، وجاء في تقرير آخر لمؤسسة "أكسفورد إيكونوميكس" أن هذا النمو المتوقع يأتي أساسا من جهود تنويع موارد الاقتصاد في السعودية، الذي أظهر أنها تحدث أثرا، ذلك مع القوة المتنامية للقطاع غير النفطي. فجهود التنويع الاقتصادي التي شملت عناصر التنويع الصناعي والتنويع في إيرادات المالية العامة وكذلك التنويع في الصادرات جميعها استفادت من النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي في السعودية، مع تحقيق برنامج الاستثمار عديدا من مستهدفاته، وتشير التوقعات إلى أن أي تراجع في النمو الناتج من القطاع النفطي يمكن ببساطة أن يتم تعويضه من النمو الناتج في القطاع غير النفطي.
هذه الأدلة الجديدة التي جمعتها التقارير الدولية تشير إلى أمرين مهمين، الأول: ضرورة الاستمرار في جهود التنويع الاقتصادي، وأنها فعلا تؤتي ثمارها وتؤثر بشكل إيجابي في تحقيق نمو مستدام، ذلك أنها تحقق للاقتصاد السعودي مرونة عالية في تجاوز صدمات النفط، الأمر الآخر: تأثير نجاح جهود التنويع الاقتصادي في المملكة يؤثر أيضا في نجاح دول الخليج في ذلك، فالاقتصاد السعودي لم يزل يشكل القاطرة الرئيسة لاقتصادات دول المنطقة، فالتنويع في مجال الطاقة أو الصناعة سيكون له أثر في التنويع في الصادرات، وهذا يعزز الحركة التجارية البينية في المنطقة.

إنشرها