Author

كيف نغير الصورة الذهنية؟

|

هل يجهلنا العالم؟ سؤال طرحته على نفسي، وأعتقد أن آخرين طرحوه على أنفسهم، وأخص بذلك العلماء، والباحثين، والمفكرين، ذلك أن معرفة الآخر بنا، أو جهله تحدد طريقة تصرفه، فإلمامه بخصائصنا الإيجابية كالكرم، الشجاعة، الصدق، الأمانة، الشهامة، الوفاء وغيرها من الخصائص التي حث عليها ديننا الحنيف، وتضمنتها ثقافتنا المتناقلة عبر الأجيال، فمن الطبيعي أن نظرته لنا، ومن ثم تعامله معنا سيكون بالاحترام، والتقدير، أما إن كان يجهلنا فيغلب التوجس، والشك، والريبة عليه؛ ويكون الجفاء، والبعد، والنفور ما يميز العلاقة.
المعلومات السيئة التي يعرفها عنا سواء كانت حقيقية، أو مغلوطة، ومكذوبة، كما في كتب المستشرقين، أو أفلام هوليوود التي تصور العربي، والمسلم بشتى أنواع السوء، وفي هذه الحالة سلوكه تجاهنا سيكون عدائيا، كارها، ماقتا لنا، ولثقافتنا.
هل نحن مقصرون في رسم الصورة المثالية لنا ولثقافتنا؟ قد يرى البعض ذلك، والسبب في ذلك كما أعتقد يعود إلى افتقادنا خريطة أولويات نسير عليها، وتحدد الاتجاه السليم لنا، مع عدم الالتزام بما يميزنا عن الآخرين في مظهرنا، وسلوكنا، وتعاملنا مع بعضنا، ومع الآخر، سواء في التعاملات الرسمية، أو التعامل العفوي الذي يتم مصادفة في الطريق، وقاعة الدرس، والمطعم، وأماكن الترفيه، فالآخر غالبا يلاحظ بشكل دقيق، ويرصد ما يشاهده، ويسمعه، وفوق ذلك يحلل لينتهي إلى استنتاجات إيجابية أو سلبية.
ما ينتهي إليه من استنتاجات يمثل منطلقا لأحكام تمثل صورة ذهنية تترسخ لديه، ولدى أجياله؛ نظرا لأننا فشلنا في إظهار أفضل ما لدينا، وأعطينا الفرصة لظهور أسوأ ما لدى الكائن البشري في طبعه، أو بوحي من تنشئة وثقافة تربى في أحضانها، ورضعها مع حليب أمه.
خريطة الأولويات تحتاج إلى منطلق فلسفي، واضح المعالم، تظهر تميزنا فكرا، وسلوكا، ومنتجات معرفية، ومادية، وتقنية تجذب الآخرين، وتغريهم بما لدينا من بضاعة تمثل بناء حضاريا متكاملا حيث تظهر الرموز الحضارية على المنتجات، فعلى سبيل المثال الأعمال الفنية، كالرسوم، والأفلام، والمسلسلات هل نسعى عند إنتاجنا لها لمحتوى مميز لنا نبث من خلاله رسائل حضارية مختلفة عما هو سائد، ورائج، أم نود اقتفاء الآخرين في منتجاتهم، ومن ثم نكون كالغراب الذي أراد تقليد الحمامة في مشيها فلا هو فعل ذلك، ولا هو الذي مشى مشيته الطبيعية؟
المطبوعات، والأفلام، والمسلسلات، والبرامج التليفزيونية أدوات يمكن توظيفها لرسم صورة حسنة تعبر بصدق عمن نحن بلا خجل أو شعور بالنقص أمام الآخر الذي يتفوق في هذه المرحلة من التاريخ علينا في منتجاته المادية، والتقنية، فالتماسك الأسري، والاجتماعي، واحترام الكبير، وتوقيره، والعطف على الصغير، والكرم، والشجاعة، والصدق، والأمانة، وغيرها خصائص يفتقدها البعض، ويمكن أن تكون محتوى إعلاميا يحقق الانتشار العالمي، ويغير الصورة النمطية السيئة التي رسمتها أيدي بعض الكتاب من صحافيين، وممثلين، أو بسوء تصرفات بعض أبنائنا.
المعايير العالمية للأعمال الفنية، والإعلامية لا تخدمنا بالضرورة، ولا تغير من الصورة النمطية التي تشكلت تجاهنا، ذلك أن هذه المعايير وضعت من قبل أشخاص، ومؤسسات، وهيئات لها ما يميزها ثقافيا، وحضاريا، وطريقة تفكير، ومصالح تختلف في كثير عنا، فعلى سبيل المثال عدم الاحتشام في الملبس في الأفلام الغربية أمر شائع، فهل نحقق الانتشار العالمي، وتوعية الآخرين بنا، وبحضارتنا، وقيمنا، وقضايانا بعرض المحتوى نفسه، أم بمحتوى مغاير، يطرح بديلا، حضاريا يمكن أن يسهم في حل كثير من المشكلات التي تعانيها البشرية؟
المحتوى الإعلامي والفني يفترض أن يعزز القيم الإنسانية الراقية المحترمة للإنسان أيا كان لونه، وعرقه، ودينه، ومكان عيشه، ومستواه الاقتصادي، محتوى يجنبه الابتذال، والمسخ، محتوى يعزز قيم التسامح، والعدل والإنصاف. لا يمكن إزالة الصورة النمطية السيئة، ولا إحداث صورة موجبة، ولا يمكن أن ننال الاحترام والتقدير ما لم نعتز بقيمنا، وثقافتنا التي تشكل هويتنا؛ لأن من لا هوية له لا يمكن أن يقدم رسالة جاذبة للآخرين.

إنشرها