Author

آفاق اتفاق التجارة بين واشنطن وبكين

|


من التوقيع على اتفاق مبدئي بين الولايات المتحدة والصين بشأن حربهما التجارية، حدث انفراج على الساحة الاقتصادية العالمية. فهذه الحرب تسببت في رفع مستوى التوتر على هذه الساحة، وهددت وتيرة أداء الاقتصاد العالمي كله. وفي المرحلة الماضية، شهدت المفاوضات توترا إلى حد ظهرت توقعات بانهيارها، وبالتالي تصعيد الحرب بين طرفيها. لكن التوقيع تم بالفعل، ويبقى ضمن نطاق الاتفاقات المرحلية أو المبدئية أو الجزئية، لأنه لا يشمل كل القضايا العالقة بين الجانبين، الأمر الذي يطرح إمكانية استمرار المفاوضات لمدة طويلة أخرى من أجل الوصول إلى اتفاق نهائي يحسم كل المشكلات العالقة، ويؤسس مجددا لعلاقة صحية بين أكبر اقتصادين في العالم. ومن الواضح أن الإدارة الأمريكية المتشددة حيال مصالح بلادها التجارية، تريد أن تظل المسارات المؤدية إلى الاتفاق مفتوحة، بصرف النظر عما هو عالق مع الحكومة الصينية.
في أعقاب إعلان توقيع الاتفاق المبدئي، تلقت الأسواق العالمية دفعة قوية، وارتفعت السلع في أغلب الأسواق، وحقق اليوان الصيني تقدما ملحوظا، وسط هدوء هيمن على سوق العملات عموما، لأنه في النهاية مرتبط بحركة التجارة العالمية، وبقيم هذه العملات في حراك التصدير والاستيراد. والواضح، أن واشنطن وبكين تريدان استمرار التفاهمات المرحلية إلى آخر مدى، لذلك ظهرت الإشادات المتبادلة بين المسؤولين الأمريكيين والصينيين، بعد أن كانت الساحة مليئة بالاتهامات والمناوشات الإعلامية، خصوصا في أعقاب فرض رسوم جمركية إضافية متبادلة بين الطرفين، تقدر بمئات المليارات من الدولارات. فضلا عن الاتهام الرسمي الأمريكي للصين بأنها تتلاعب بعملتها لدعم وتيرة حركة صادراتها. وهذا الأمر يصعب إثباته بدليل قوي.
الاتفاق الصيني - الأمريكي تضمن بعض النقاط الإيجابية التي يمكن البناء عليها، بما في ذلك تخفيض الولايات المتحدة بعض الرسوم الجمركية المضافة على البضائع الصينية. وهذه النقطة مهمة جدا، لأن واشنطن هي التي بادرت في البداية بفرض الرسوم الإضافية المشار إليها، ما دفع الصين إلى خطوة مماثلة استهدفت البضائع والسلع والخدمات الأمريكية. لكن اعتزام بكين شراء ما قيمته 200 مليار دولار من السلع الأمريكية، يعد نقطة مهمة بالنسبة إلى إدارة الرئيس دونالد ترمب. وهذه الإدارة أعلنت منذ وصولها إلى السلطة العمل الدؤوب، بل المواجهة من أجل تشجيع الصادرات الأمريكية وإيجاد أسواق جديدة لها، وتوسيع حضورها في أسواق قديمة معروفة. وبالطبع، يسهم هذا الأمر في دعم إدارة ترمب على الساحة المحلية الأمريكية.
هذا الاتفاق المهم يجمل معه أيضا نقاطا أخرى ذات فاعلية كبرى على صعيد استمرار المفاوضات للوصول إلى اتفاق شامل في مرحلة لاحقة، منها "على سبيل المثال" قرار الولايات المتحدة تخفيض جزء من الرسوم الجمركية. لكن هذا لا يحل جانبا أكبر من المشكلة القائمة، وهي الإبقاء على الرسوم الأمريكية المفروضة على سلع ومنتجات صينية بعينها. بالتأكيد، يرحب العالم أجمع بأي اتفاق بين العملاقين الاقتصاديين، لأن حربهما التجارية انعكست بصورة خطيرة على الوضع الاقتصادي العالمي الهش أصلا، كما أسهمت في نشر حالة عدم اليقين على هذه الساحة، وهو أمر لا يتحمله الاقتصاد العالمي الخارج للتو من براثن أزمة اقتصادية كبرى.
المرحلة المقبلة هي الأهم على صعيد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين. وهي مرحلة لن تكون سهلة بعقباتها، مع استمرار تمسك واشنطن بمفهومها للتجارة العالمية، ولا سيما أن إدارة ترمب تنظر إلى نفسها دولة "مظلومة" في هذا الميدان، ليس مع الصين، بل حتى مع حلفائها الغربيين الذين يواجهونها بمعارك تجارية هم أيضا.

إنشرها