Author

الاقتصاد الإيراني والركود الكبير

|


العالم كله يعرف حقائق الوضع الاقتصادي في إيران، ليست هناك أسرار في هذا المجال، بل العكس هناك تطورات متتابعة تثبت مدى الانهيار الذي وصل إليه هذا الاقتصاد، في ظل نظام إرهابي تخريبي يحكم البلاد. والاقتصاد الإيراني لم يكن جيدا حتى قبل أن تفرض العقوبات الدولية عليه، لأن عوائد البلاد تذهب في مسارات لا دخل للشعب الإيراني بها، لذلك انتشرت البطالة وتراجع النمو، وتردت الأوضاع المعيشية حتى قبل هذه العقوبات. وبالطبع، استغل نظام علي خامنئي هذه العقوبات، ليسوق إعلاميا أنها السبب في الحالة التي وصل إليها الاقتصاد الوطني، لكن الجميع يعلم، وفي مقدمتهم الشعب الإيراني، أن هذه ليست سوى أكاذيب لتغطية الفشل، الذي يعيش فيه نظام يعتمد على نشر الخراب في أي مكان يستطيع الوصول إليه. من هنا، فإن الإيرانيين أكثر الجهات تضررا من استراتيجية النظام القاتلة.
لا شك أن العقوبات الدولية "ولا سيما الأمريكية" ضغطت كثيرا على النظام الإيراني في الأعوام القليلة الماضية، إلا أن أساس الانهيار الاقتصادي سبقها بأعوام، بل بعقود. فالخداع لم يعد ينفع النظام الحاكم، والمظاهرات والانتفاضات التي حدثت في السابق "ولا تزال تحدث"، رفعت شعارات واضحة جدا، كلها تتحدث عن سرقة المال العام من الشعب، وتحويله إلى تمويل مخططات الإرهاب في هذا البلد أو ذاك، ودعم المنظمات الإجرامية في أي مكان، طالما أنها تنفذ هذه المخططات بإخلاص تام. يضاف إلى ذلك، أن حجم الفساد في إيران بلغ حدا تاريخيا في العقود الماضية، إلى درجة أن بات بعض الشخصيات الإيرانية المعتدلة تتحدث صراحة عنه وتطالب بالحد منه، خصوصا في ظل سيطرة خامنئي "وليس الحكومة" على العوائد المالية. فقد ثبت بالوثائق، كيف أن هذا الأخير يسيطر على إمبراطورية مالية تصل قيمتها إلى 100 مليار دولار.
على هذا الأساس، لن يكون مفاجئا أن يصل مستوى النمو الاقتصادي في إيران للعام الجاري إلى الصفر. فكل شيء متوقف تقريبا في البلاد، بما في ذلك الحراك الزراعي الذي لا يتطلب أي أدوات وآليات مستوردة. والمصانع الإيرانية شبه متوقفة في أغلبيتها، في حين تواصل العملة الانهيار تلو الآخر، وترتفع معدلات البطالة بصورة لم يسبق لها مثيل في تاريخ البلاد. حتى المنصات النفطية تعاني غياب التحديث والتطوير، ما خفض من الإنتاج النفطي، إلى جانب العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على تصدير النفط، فامتنع كثير من الدول عن شرائه. والخراب الاقتصادي في إيران لا يتوقف عند القطاع النفطي، فقد قرر كثير من الشركات الأجنبية والمستثمرين عموما، الانسحاب من هذا البلد، حتى لا يتأثروا بالعقوبات الاقتصادية المفروضة عليه.
حتى مع وجود آلية مالية أوروبية لمساعدة النظام الإيراني، لم تستطع طهران أن تواصل حراكها الاقتصادي، نظرا إلى التأثير الكبير للعقوبات. لذلك، فإن النمو المتوقع لعام 2020 سيكون في حدود الصفر يبدو منطقيا، وإذا ما استمر الوضع على ما هو عليه طوال هذا العام، فإن التوقعات تشير إلى إمكانية أن يكون النمو سلبيا في العام المقبل. فالاقتصاد الإيراني لا يمر بأزمة، بل يعيش شبه انهيار، وهو بالفعل يقف على حافة الهاوية، مع تمسك نظام خامنئي باستراتيجيته المعادية للمجتمع الدولي، وفي ظل الأوهام التوسعية التي يعيش فيها منذ أن استولى على الحكم. النمو الاقتصادي لا يظهر في مثل هذه البيئة التخريبية التي نالت من الإيرانيين أنفسهم قبل غيرهم.

إنشرها