default Author

الاستراتيجية الاقتصادية لمواجهة تغير المناخ «3 من 3»

|

كيف يمكن الحد من الأخطار العديدة التي تواجه الحيتان، مثل حوادث الارتطام بالسفن وغيرها؟ لحسن الحظ أن خبراء الاقتصاد يعرفون كيفية حل مثل هذه المشكلات. والواقع: إن برنامج الأمم المتحدة لخفض الانبعاثات الناتجة عن تدهور الغابات وإزالة الغابات في الدول النامية، يمثل نموذجا محتملا لمثل هذه الحلول. وإذ يقر البرنامج أن 17 في المائة من انبعاثات الكربون تنشأ عن إزالة الغابات، فهو يقدم للدول حوافز تشجعها على الحفاظ على غاباتها كوسيلة لإبقاء الغلاف الجوي نقيا من ثاني أكسيد الكربون. ويمكننا بالمثل وضع آليات مالية لتشجيع استعادة الحيتان إلى أعدادها السابقة حول العالم، حيث يمكن تقديم حوافز في صورة دعم أو تعويضات أخرى لمساعدة من يتحملون تكلفة مرتفعة نتيجة حماية الحيتان. فعلى سبيل المثال، يمكن تعويض شركات الشحن عن التكلفة التي تتحملها بسبب تغيير مسارات السفن للحد من مخاطر الارتطام.
غير أن هذا الحل يثير تساؤلات يصعب الإجابة عنها بداية، يتعين إنشاء مرفق مالي لحماية الحيتان والموارد الطبيعية الأخرى وتوفير التمويل اللازم له. لكن ما الحجم الدقيق للإنفاق الذي ينبغي تخصيصه لحماية الحيتان؟ تشير تقديراتنا إلى أنه في حال السماح لأعداد الحيتان بالعودة إلى مستويات ما قبل البدء في صيدها - لتحتجز 1.7 مليار طن سنويا من ثاني أكسيد الكربون - سيلزم توفير 13 دولارا سنويا للفرد الواحد على سبيل الدعم لجهود احتجاز ثاني أكسيد الكربون بمساعدة الحيتان. وإذا وافقنا على دفع هذه التكلفة، فكيف سيمكن توزيعها بين الدول والأفراد والشركات؟ وما حجم التعويض الذي ينبغي تقديمه لكل من الأفراد والشركات والدول الذين يتعين عليهم تحمل جزء من تكلفة حماية الحيتان؟ ومن سيتولى الإشراف على عملية التعويضات والرقابة للامتثال للقواعد الجديدة؟
تعد المؤسسات المالية الدولية، بمشاركة منظمات الأمم المتحدة والمنظمات متعددة الأطراف الأخرى هي الجهة المثلى للاضطلاع بدور الإرشاد والرقابة وتنسيق الإجراءات المتخذة على مستوى الدول لحماية الحيتان. وعادة ما تعيش الحيتان في المياه المحيطة بالدول منخفضة الدخل والهشة، وهي دول قد يتعذر عليها التعامل مع إجراءات التخفيف اللازمة. ويمكن دعم هذه الدول من خلال مرفق البيئة العالمية، على سبيل المثال، الذي عادة ما يدعم مثل هذه الدول للوفاء بمتطلبات الاتفاقيات البيئية الدولية. كذلك، فإن صندوق النقد الدولي يمكنه مساعدة الحكومات على إدخال المنافع الاقتصادية الكلية للحيتان نتيجة مساهمتها في تخفيف تغير المناخ، وكذلك تكلفة إجراءات حماية الحيتان، ضمن أطرها المالية الكلية. ويملك البنك الدولي الخبرة اللازمة لتصميم وتنفيذ برامج معينة لتعويض الأطراف الفاعلة في القطاع الخاص نظير جهودها في حماية الحيتان. ويمكن لمنظمات الأمم المتحدة والمنظمات متعددة الأطراف الأخرى الإشراف على الامتثال وجمع البيانات اللازمة لقياس تقدم هذه الجهود.
ويجب الصعود بإجراءات تنسيق اقتصادات حماية الحيتان إلى صدارة جدول أعمال المجتمع الدولي في مجال المناخ. ولأنه لا بديل لدور الحيتان في تخفيف تغير المناخ وبناء الصلابة في مواجهته، ينبغي أن يكون الحفاظ على حياتها أحد أهداف الدول الـ190 الموقعة على اتفاقية باريس لعام 2015 المعنية بمكافحة مخاطر المناخ.
غير أن المؤسسات الدولية والحكومات عليها استخدام نفوذها أيضا في إيجاد عقلية جديدة - منهج يتم من خلاله إقرار وتنفيذ منهج شامل للحفاظ على بقاء الجنس البشري بناء على فكرة العيش ضمن حدود العالم الطبيعي. والحيتان كائنات ضخمة لها قيمة في حد ذاتها وحق في الحياة - لكن هذه العقلية الجديدة تقدر قيمتها وتقر بدورها الذي لا ينفصل عن استدامة المحيطات والكوكب كله. فسلامة الحيتان تعني حياة بحرية صحية تشمل الأسماك والطيور البحرية ونظاما حيويا كاملا يعيد تدوير العناصر الغذائية بين المحيطات والأرض، ما يحسن جودة الحياة في كل منهما. ومن شأن استراتيجية "التكنولوجيا الأرضية" التي تدعم استعادة أعداد الحيتان إلى مستوياتها الوفيرة السابقة في المحيطات أن تحقق منافع جمة ليست على صعيد الحياة في المحيطات فحسب، بل الحياة على سطح الأرض أيضا، بما في ذلك حياتنا نحن.
ونظرا إلى العواقب الآنية المترتبة على تغير المناخ، فليس لدينا وقت نضيعه في تحديد وتنفيذ طرق جديدة لمنع أو معالجة الضرر الواقع على نظامنا البيئي العالمي. وينطبق ذلك تحديدا على تحسين حماية الحيتان لمساعدتها على النمو بمعدل أسرع. إذ تشير تقديراتنا إلى أنه في حال عدم اتخاذ خطوات جديدة، فإننا سنحتاج إلى أكثر من 30 عاما لمضاعفة عدد الحيتان الحالي، وسيستغرق الأمر عدة أجيال لزيادة أعدادها إلى مستويات ما قبل البدء في صيدها. والواقع: إن مجتمعاتنا وقدرتنا على البقاء لا يحتملان الانتظار كل هذا الوقت.

إنشرها