Author

الصمت المسموع

|

عندما ألتقي شخصية مميزة، أحرص دائما أن أتأمل فيها. أقرأ أسلوبها وفكرها وطريقتها قدر المستطاع.
لاحظت من خلال متابعتي، أن معظم الأفذاذ يشتركون في سمة واحدة، هي رد فعلهم على ما يجري حولهم؛ فهم يتمتعون بقدرة فائقة على إدارة رد فعلهم بكفاءة.
أذكر مرة من المرات أنني حضرت اجتماعا برئاسة قيادي لافت، وقام أحد الحضور بانتقاد سياسة ذلك الشخص، وكيف أن طريقة إدارته أسهمت في التفريط بعدة فرص ذهبية للشركة التي يتولى إدارتها.
بعيدا عن صحة ما ذهب إليه ذلك الشخص في نقده، إلا أن ما لفت انتباهي هو تفاعل المسؤول مع السهام الكلامية التي وجهت له.
رد بهدوء بالغ: أشكر حرصك على شركتك. وبك وبأمثالك ستزدهر مؤسستنا.
النقد أساس نجاح أي مشروع، وسيشرفني أن أخصص الاجتماع القادم لمناقشة مرئياتك السديدة بتعمق.
لقد كان رد ذلك القيادي مثالا ساطعا لكيفية إدارتنا لانفعالاتنا، فتلك هي الكيفية التي تصنع شخصيتك. وتمنحك قدرة على الصعود والتفوق.
القوة لا تكمن فيما نتفوه به أو نقوم به. وإنما فيما نتجاهله ونتغافل عنه ونتجاوزه.
الرد المناسب لا يكون بالضرورة صراخا ورفع صوت، وإنما بالحكمة والهدوء.
لم أندم على صمتي يوما، وإنما ندمت على حديثي مرات.
قيل قديما: إذا الكلام من فضة فالسكوت من ذهب.
وهذه حقيقة يجب أن ندركها ونتعاطى معها. تميزك يتجلى في رد فعلك على ما يموج أمامك.
براعتك تتجسد في قدرتك على تحويل التحدي إلى فرصة، تبرز حكمتك وحلمك وجسارتك.
الشجاعة لا تظهر في إظهار غضبك، بل في امتصاص انفعالك.
كل أمر سيمر، ليأتي بالأمر الذي يسر. لكن يتطلب منك التزين بالصبر والأناة والتؤدة.
من الإصغاء والتفكر تأتي الحكمة، ومن الاستعجال والتسرع تأتي الندامة.
إن أول العلم والأدب الصمت، هذا ما رددناه ونردده طويلا حتى أيقنا أثره.
ليس هنالك أفضل من الصمت في اللحظات التي تؤمن أنك ستنطق بشيء لا يمثلك ولا يعبر عنك. هذا الصمت هو الذي سيجعل صوتك مسموعا.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها