Author

الاستثمارات العالمية .. التوقف عن المغامرة

|


تشير التقارير التي تنشرها "الاقتصادية" بشكل مستمر إلى أن العالم لا يزال يشهد كثيرا بالضبابية التي تعوق التنبؤ الصحيح بالمدى القريب، فالأسواق المستقرة والمتقدمة لم تعد قادرة على منح عوائد مجزية على رأس المال، وهنا مشكلات حقيقية في الاستدامة، لكنها على الأقل توفر مستويات جيدة من الأمان، وهذا ما عزز سياسات الادخار في الولايات المتحدة بشكل خاص.
هذه المشكلات الأساسية كانت قد شجعت الصناديق الكبيرة في هذه الدول إلى البحث عن العوائد في الأسواق الناشئة، وهو ما قاد سلسلة من النمو والازدهار المضطرب في هذه الدول، ومنها من استطاع الاستفادة من تدفقات رأس المال من حيث تعزيز القدرات المعرفية والمهارات ورأس المال البشري.
وحققت هذه الدول عوائد كبيرة جدا ظهرت في شكل نمو قوي مثل الهند والصين، بينما حاولت دول أخرى في إفريقيا الوصول إلى النهج نفسه، لكن ذلك بدا متأخرا قليلا، والسبب أن قدرة رأس المال على المخاطرة اليوم تبدو أضعف من ذي قبل، خاصة بعد الأزمة المالية العالمية، كما أن الاضطرابات التي عمت كثيرا من الأسواق الناشئة، قد ألقت بظلال واسعة من الشك.
في المجمل، فإن كثيرا من التحفظ أصبح سيد الموقف لدى كثير من المستثمرين، فقد أشارت التقارير الاقتصادية وتحليلات كبار التنفيذيين إلى أن هناك قلقا شديدا من الأسواق الناشئة الكبيرة، مثل البرازيل والأرجنتين وجنوب إفريقيا وبولندا وروسيا. هنا تعود القواعد القديمة إلى قيادة الفكر الاستثماري، وأصبح الرضى بالعوائد القليلة مع الأمان، خيارا جيدا أمام رعب المخاطر في الاستثمارات في المناطق التي قد تضطرب في أي وقت.
فما حدث في تشيلي وفي لبنان، على وجه التحديد من اضطرابات مفاجئة، جعل تفادي الوقوع في المشكلات في الأسواق الناشئة الكبيرة والصغيرة يزداد صعوبة في الأشهر الأخيرة، بالتالي، فإن الاقتصادات الراكدة الكبيرة مثل الاقتصاد الأمريكي، ستكون ذات أهمية، خاصة في عام 2020. لذا، فإن العالم سيعتمد كثيرا على قدرة الاحتياطي الفيدرالي على اتخاذ القرار الصحيح في الوقت المناسب، فهذه القرارات التي تمس الفائدة، لن تؤثر في الاقتصاد الأمريكي فقط من حيث تحفيز الطلب أو الادخار، بل لأنها في ظل هذا القلق المتنامي من الأسواق الناشئة قد يؤثر سلبا فيها وبشكل مباشر. فمن المحللين من يقول إن تشديد "الاحتياطي الفيدرالي" في التسعينيات، أدى إلى الأزمات المكسيكية والآسيوية والروسية، ويستنتجون أن أي تشديد جديد لـ"الاحتياطي الفيدرالي" يعد جيدا بالنسبة إلى الأسواق الناشئة، لكن مشكلة "الاحتياطي الفيدرالي" أنه لا يقود الاقتصاد العالمي، بل يقود اقتصاد الولايات المتحدة في المقام الأول.
وأشارت التقارير إلى أن سلوك المستهلك الأمريكي تغير بشدة منذ الأزمة العالمية، فرغم ارتفاع التعريفة الجمركية، إلا أن شركات قطاع التجزئة لم تستطع نقل هذه التكاليف إلى المستهلك خوفا من خسارته وضياع الحصص. هنا تبدو الأمور مقلقة، فإذا تشدد "الفيدرالي" في أسعار الفائدة ليواجه الرياح المعاكسة للاقتصاد الأمريكي، قد يكون ذلك على عكس ما تتمناه الأسواق الناشئة، التي عليها وحدها تحمل نتائج فارق التوقيت. تلك النتائج التي تعزز من قرارات خروج المستثمرين وضعف تمويل الميزانية، وبالتالي ضعف قدرة الاقتصاد الناشئ على دعم النمو وتوفير وظائف، ما قد يوجد اضطرابات مفاجئة وزيادة وتيرة سحب الاستثمارات. هكذا تبدو الأمور مع بداية العام الجديد. لذا، فإن الآمال تبدو ضعيفة في تحسن آفاق الاقتصاد العالمي، لكن ليست إلى المستوى الذي يقود إلى المطلوب.

إنشرها