Author

ورحل .. نجيب

|

صباح يوم السبت كان صباحا حزينا اختفت فيه تلك التغريدات التويترية، التي من شدة لطافتها تشعرك أن الدنيا لا تزال بخير، وأن الطيبة لم تغادر القلوب وأن المشاعر الصادقة لم تزل تتدفق من نوايا بيضاء لا تعرف المداهنة، روح جميلة غادرت عالمنا ذلك الصباح الحزين تركت خلفها أثرا باقيا من الكلمات، التي ستظل خالدة على مر التاريخ، بعض الأخبار الحزينة حين تقرأها لا تصدقها للوهلة الأولى، وكأن عقلك اللاواعي يجبرك على تكذيبها فتظل تبحث بخوف ورجاء وفي داخلك تردد “يا رب تكون شائعة”، لكنها لم تكن شائعة .. فلقد رحل حقا الكاتب نجيب الزامل ذلك الكاتب، الذي تقطر حروفه لطفا وإنسانية ورقيا، قلة هم من يعرضون عن النقاشات الحادة والجدال العقيم، الذي يهدف إلى فرض الرأي وتهميش الآخر والخوض في الحوادث اليومية، التي تحدث في السوشيال ميديا وغيرها، ونجيب الزامل كان واحدا منهم، حين تدخل معه في حوار معين وتعتقد أنك ستكون بارعا في الحديث وانتقاء الكلمات واللطافة والذوق ثم تنتظر منه ردا فأنت في حقيقة الأمر أشبه بمن “يبيع الملح على أهل القصب”، لأنه بالتأكيد سيتفوق عليك أضعافا مضاعفة من اللطف والذوق والكلمات الأدبية الرقيقة.
كتب يوما “الموت حق لا نخافه الذي نخافه هو أن تموت أشياء بداخلنا ونحن أحياء”، لذلك انطلق في عالم التطوع حتى أصبح عراب التطوع بلا منازع، في أحد مقالاته، التي أسماها أيقونة مقالاتي تحدث عن نقطة تحول بحياته، حيث يقول في إحدى فقرات المقال “لماذا لم تعد تصلي؟” سألني أستاذي بحدة عميقة فأجبته: “وهل تغير الصلاة العالم؟” فأجابني إجابة طيرت عقلي، وخلخلت أركان نفسي، التي ظننت أنها مكينة. “نعم الصلاة لا تغير العالم، ولكنها تغيرنا فنغير نحن العالم”.
كان يفتخر بوالدته كثيرا ويتحدث عنها بمنتهى الحب المعتق، وعن انتظارها لعودته كل مساء كحال معظم الأمهات اللاتي لا يكبر أبناؤهن أبدا في أعينهن، لا شيء يعوض فقد الأم لابن بار حنون إلا اعتصامها بالصبر والرضا بأقدار الله فلك الله يا “أم نجيب”، لا تنثر أكاليل الورد والحب والدعوات الصادقة إلا حين ترحل أرواح الطيبين عن عالمنا، وصباح يوم الأحد كان موعدا لمهرجان حصاد الحب والدعوات الصادقة وأكاليل الورد المنثورة خلف روحا طيبة غادرتنا.. فوداعا نجيب الزامل يا زعيم اللطف بلا منازع!

اخر مقالات الكاتب

إنشرها