Author

اقتصاد النباتات العطرية «2»

|

أشرنا في مقالة سابقة إلى أن عدم إقدام المزارعين في المملكة على تزريع النباتات العطرية عائد أساسا إلى عدم إدراك أهميتها والمردود الاقتصادي الكبير، الذي سينتج عن ذلك، وكذلك التحديات الكبيرة، التي يواجهها القطاع الزراعي في مرحلة التسويق، وهو ما نلمسه بوضوح حتى في مجال المحاصيل الغذائية المنتجة محليا.. إن اهتمام الشركات الدوائية في المملكة بالنباتات الطبية والعطرية منها على وجه الخصوص يكاد يكون معدوما على خلاف ما يحدث في كثير من دول العالم المتقدمة طبيا مثل ألمانيا، وأذكر أنني حضرت مؤتمرا حول النباتات الطبية والعطرية نظمته منظمة الأمم المتحدة للتنمية والصناعة ــ اليونيدو ــ ففوجئت بحضور عدد من ممثلي كبرى الشركات المصنعة للأدوية الحديثة، بل اتضح أيضا أن بعض تلك الشركات قد عقد اتفاقيات مع بعض الدول الإفريقية لتزريع نباتات طبية وعطرية لمصلحة هذه الشركات.. إن العطور المصنعة حتى إن كتب عليها أن مكوناتها تشمل أسماء لنباتات عطرية إلا أن الواقع أنها مركبات كيميائية، ولذا نجد كثيرا من الناس يصابون بالحساسية، بل ببعض الأمراض الصدرية عند استخدامهم لتلك العطور.. إنني ومن خلال هذا المنبر أدعو هيئة المواصفات والمقاييس أن يكون لديها مواصفات قياسية تشمل الحد الأعلى من المواد الكيميائية، التي يسمح بإدراجها في العطور المصنعة تلافيا لما قد ينتج من أضرار صحية عند استخدامها.. إن المنطق يقول إنه لا عذر لنا في أن نكون أفضل دول المنطقة في تزريع وإنتاج النباتات العطرية، سواء كما هي أو بعد تحويل زيوتها لمنتجات مصنعة أو وسيطة، وذلك في ظل الدعم، الذي يجده القطاع الزراعي في المملكة.. إن النباتات الطبية والعطرية قد أصبحت مصدرا اقتصاديا مهما لعديد من الدول كالهند والصين، بل يكفي أن نعلم أن دولة أوروبية واحدة وهي إسبانيا تجني 35 مليار دولار سنويا من هذه المنتجات.. إن الرؤية الاقتصادية الثاقبة 2030، التي نسعى من خلالها لبناء اقتصاد قوي ومتين لا يعتمد على النفط فحسب.. إن هذه “الرؤية” تحتم علينا النظر بجدية إلى استثمار مثل هذه الموارد المهمة برؤية جديدة ترى في تزريع وإنتاج النباتات العطرية واستثمارها مشاريع اقتصادية عملاقة توفر فرص عمل واسعة للشباب، سواء بشكل مباشر أو فيما سيتيحه هذا الاستثمار من إقامة عديد من الصناعات التي ترتبط به.

إنشرها