Author

بورصة عالمية للتمور السعودية

|


هنالك أكثر من 100 صنف عالمي للتمور، يتمركز معظم إنتاجها في الدول العربية وخاصة في السعودية ومصر والعراق. ويطلق علماء التغذية على التمور اسم "منجم المعادن" لما تحتويه من معادن المغنيسيوم والمنجنيز والزنك والنحاس والكبريت والحديد والكالسيوم والبوتاسيوم. وتنفرد التمور السعودية باحتوائها أيضا على كميات مرتفعة من الفلور، يقدر بخمسة أضعاف ما تحتويه الفواكه الأخرى من هذا العنصر. ولا تنحصر فوائد التمور في الحفاظ على سلامة الجهاز العصبي وتنظيف الكبد، بل تستخدم في مقاومة السعال والتهاب القصبات الهوائية، وتساعد على طرد البلغم وزيادة حيوية الدماغ وتقوية الجهاز الهضمي.
وبينما ارتفع عدد أشجار النخيل في السعودية إلى أكثر من 25 مليون نخلة، لتفوق مساحتها المزروعة 157 ألف هكتار وتنتج 1.3 مليون طن من التمور، إلا أن معدل أسعار التمور السعودية في الأسواق العالمية لا يتعدى 1638 دولارا للطن الواحد، بينما يفوق معدل أسعار التمور الأمريكية والإسرائيلية أربعة آلاف دولار للطن الواحد. ويعود هذا التباين الكبير في الأسعار إلى أن السعودية لم تستخدم حتى يومنا هذا أحكام المؤشرات الجغرافية، النابعة من اتفاقية الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية "تريبس"، إحدى أهم اتفاقيات منظمة التجارة العالمية.
وعلى الرغم من أن نصيب الدول العربية من الإنتاج العالمي للتمور بلغ نحو 73 في المائة، إلا أن كمية التمور العربية المتداولة في الأسواق العالمية لا تزيد على 7 في المائة فقط، وتتقاسم السعودية ومصر والإمارات وتونس 36 في المائة منها. ويعود ضعف الصادرات إلى عدم وجود "بورصة" عالمية للتمور في الدول العربية المنتجة لها، ما يجعلها عرضة للمنافسة غير العادلة. كما أن القارة الآسيوية تعد من الناحية الكمية أهم مؤثر في الأسواق العالمية للتمور، حيث تستورد أكثر من 72 في المائة من مجموع التمور المتداولة، إلا أنها لا تمثل سوى 36 في المائة من مجموع العوائد المادية، لكون معدل ما تصرفه الشعوب الآسيوية لشراء التمور لا يزيد على 245 دولارا للطن الواحد. أما الدول الأوروبية، التي لا تستورد سوى 13 في المائة من مجموع الكميات المتداولة في الأسواق العالمية، فإنها تمثل 46 في المائة من مجموع العوائد المادية. وهذا يأتي نتيجة ارتفاع معدل ما تصرفه الشعوب الأوروبية على شراء التمور إلى 1760 دولارا للطن الواحد، بينما لا تمثل أمريكا الشمالية وإفريقيا وأستراليا سوى 5 في المائة من مجموع إيرادات الأسواق العالمية للتمور.
وبينما تعد أسواق الدول الأوروبية أكبر مستورد للتمور في العالم، تعد تونس أكبر مصدر للتمور إلى أوروبا بنسبة 48 في المائة، وتتبعها الجزائر بنسبة 20 في المائة. ونلاحظ غياب التمور السعودية عن الأسواق الأوروبية، حيث استحوذت الدول الإسلامية على 52 في المائة من صادرات التمور السعودية، تليها الدول العربية بنسبة 37 في المائة، ثم الدول الأوروبية بنسبة 3 في المائة فقط.
وعلى الرغم من أن انضمامنا لمنظمة التجارة العالمية قبل 15 عاما منحنا فرصة ثمينة لتسجيل أسماء التمور السعودية المشهورة بأنواعها المميزة وموقعها الجغرافي تحت الغطاء القانوني لأحكام اتفاقية المؤشرات الجغرافية لزيادة فرص نفاذها في الأسواق العالمية وحماية أسمائها وشهرتها من السرقة والتقليد والعبث بحقوق ملكيتها، إلا أن غياب العنصر الرئيس في هذا الغطاء القانوني يتمثل في عدم وجود "بورصة" عالمية للتمور لتحديد مواصفاتها وشهرتها وأسعارها دوليا.
ومن هذا المنطلق علينا أن نبدأ فورا بإنشاء "بورصة" عالمية للتمور، وتسجيل أسماء الأصناف السعودية باستخدام قواعد المؤشرات الجغرافية، لتوفير الجودة المميزة والنوعية المطلوبة والمواصفات القياسية اللازمة لكسب الأسواق العالمية ومنها الأوروبية. ولأن المؤشر الجغرافي للتمور السعودية يعد إشارة نظامية مسجلة دوليا، فإنها تستخدم للتمور ذات المنشأ الجغرافي المعين وسمات أو سمعة أو خصائص تنسب أساسا إلى ذلك المنشأ، مثل المدينة المنورة أو القصيم أو الأحساء.
وإذا نظرنا إلى المؤشرات الجغرافية المشهورة عالميا، مثل القطن المصري، الأرز البسمتي الهندي، الشاي السريلانكي، البن البرازيلي، والأجبان الفرنسية، نجد أن انتشارها عالميا تحقق بعد توفير الحماية القانونية لمؤشراتها الجغرافية على الصعيد الوطني. وتمت هذه الحماية من خلال ثلاثة عناصر، حيث يشمل العنصر الأول كافة احتمالات الحماية، التي لا تستند إلى قرار اتخذته سلطة مختصة بإنشاء حماية للمؤشر الجغرافي المحدد، ولكنها تنتج عن التطبيق المباشر للأحكام التشريعية أو المبادئ التي أسستها الأنظمة الوطنية. أما العنصر الثاني، فإنه يغطي الحماية من خلال تسجيل العلامات الجماعية، بما فيها الملصقات الزراعية الجغرافية، بينما يخضع العنصر الثالث لجميع العناوين الخاصة بحماية المؤشرات الجغرافية التي تنتج عن النظام الذي اتخذته الدولة العضو في المنظمات الدولية.
في هذه الاتفاقية حددت المواد 22 ــ 24 النصوص القانونية الملزمة لحماية المؤشرات الجغرافية التي تنشأ نتيجة نسب المنتج أو نوعيته أو شهرته أو خاصيته، بحيث لا يجوز لأي دولة التعدي على منتجات الدول الأخرى أو اسمها أو منشأها أو علاماتها التجارية. وجاءت المادة الأولى لتوضيح صفة المؤشر الجغرافي على أنه: "مؤشر يحدد منشأ سلعة ما في المملكة أو في دولة عضو في منظمة التجارة العالمية أو دولة تعامل المملكة بالمثل، أو في منطقة أو موقع منها، متى كانت النوعية أو الشهرة أو السمات الأخرى لهذه السلعة تعود بصورة أساسية إلى منشأها الجغرافي، ويدخل في تحديد هذا المؤشر العوامل الطبيعية والبشرية أو أيهما".
كما حددت المادة الخامسة طرق تسجيل المؤشر الجغرافي لواحد أو أكثر من منتجي السلعة في المنطقة التي يحدد المؤشر الجغرافي منشأها، متضمنا اسم المنتج، ووصف طريقة إنتاجه، مع بيان خصائصه ونوعيته والعناصر الداخلة في إنتاجه، واسم المنطقة الجغرافية لإنتاجه، والعوامل التي تحدد منشأه في منطقة الإنتاج.
من هذا المنطلق نقترح المضي قدما وبشكل عاجل في تطبيق اتفاقية المؤشرات الجغرافية على التمور السعودية، ومن ثم إنشاء بورصة عالمية للتمور وإدراجها في الأسواق المالية المحلية والإقليمية والعالمية.

إنشرها