Author

مسارات الأسواق .. التوترات والملاذات الآمنة

|


كأي توتر يتم على الساحة الدولية، تتأثر الأسواق العالمية به. بالطبع هناك فارق بين توتر وآخر، وبالتالي هناك اختلاف في مستوى هذا التأثر. والتصعيد الذي حدث جراء مقتل قاسم سليماني قائد ما يسمى "فيلق القدس" التابع للنظام الإرهابي في إيران، كان لا بد أن يترك آثاره على ساحة الأسواق كلها تقريبا، ولا سيما الغربية منها، فضلا عن أسواق المنطقة المعنية بما يجري حاليا بين الولايات المتحدة ونظام علي خامنئي. ومنطقة الشرق الأوسط كانت منذ عقود مصدرا للتجاذبات والتوترات والحروب، وهي تلقي بظلالها على أداء الأسواق، خصوصا تلك التي تضمها دول معنية بما يجري في المنطقة ككل، ناهيك عن تأثر السوق النفطية بما يجري. فهذه السوق حساسة لدرجة أنها تتأثر حتى عبر تصريحات عادية، فكيف الحال بإمكانية حدوث مواجهة ما في هذه المنطقة؟
في الساعات التي تلت مقتل سليمان، تعرضت الأسواق العالمية ولا سيما الأوروبية لخسائر كبيرة. ومع بداية تعاملات الأسبوع برزت آثار التوتر عليها، في الوقت الذي أبدت دول أوروبية كبرى تأييدها للعملية التي قامت بها الولايات المتحدة، ومن بين هذه الدول بريطانيا وألمانيا. وبعيدا عن الاصطفافات السياسية في هذا الشأن، بات متوقعا أن تواصل أسواق أوروبا تأثرها السلبي بما يجري على الساحة في الشرق الأوسط. فالمتعاملون قللوا من استثماراتهم الفورية في هذه الأسواق، ولجأوا كالعادة للشراء من الملاذات الآمنة، بما في ذلك في ساحات الذهب والعملات الأقل تذبذبا. ومن المتوقع أن تتواصل هذه التحولات الآنية في الفترة المنظورة، خصوصا أنه لا يوجد ما يوحي حتى الآن، بتراجع التوتر الحاصل بين واشنطن وطهران.
والذي زاد من مستوى التوتر أن النظام الإرهابي في إيران، أعلن إلغاءه لأي التزام بالاتفاق النووي الموقع مع الدول الكبرى. صحيح أنه أطلق سلسلة من التصريحات القوية، إلا أن الجميع يعرف أنها تصريحات جوفاء لا قيمة لها، وتدخل فقط في ساحة الاستهلاك الإعلامي، على الأقل في الوقت الراهن. وهذا ما عزز الاعتقاد بأن الأسواق العالمية الرئيسة ستواصل تأثرها بما يجري في المنطقة، فضلا عن إصرار الإدارة الأمريكية، على أنها لن تترك استراتيجية الخراب التي ينتهجها نظام خامنئي يمضي قدما. فواشنطن حددت مسارات الأمور بصورة واضحة مع طهران، ولن تتهاون مع أي عملية إرهابية معتادة قد تقوم بها إيران أو منظماتها الإرهابية هنا وهناك. دون أن ننسى أن هذا النظام لن يتوقف عن أي محاولة لزعزعة ما تبقى من استقرار في المنطقة.
بالطبع استفاد النفط في أعقاب الضربة الأمريكية التي أدت لمقتل الإرهابي سليماني. فقد ارتفع مؤشر أسهم النفط والغاز بنحو 0.6 في المائة، وكان الرابح الوحيد بين كل القطاعات المطروحة في الأسواق. وكالعادة حقق الذهب مكاسب كبيرة، ليرتفع مؤشره إلى أعلى مستوى منذ سبعة أعوام. وحتى البلاديوم تجاوز حاجز الألفي دولار ليسجل ذروة قياسية أيضا، وكذلك تقدمت الفضة، وغيرها من المعادن الثمينة الأخرى. والذي يجعل أسواق الأسهم متراجعة في الأيام القليلة المقبلة، عدم وجود أي محاولة "حتى الآن" لاحتواء التوتر الحاصل بين الولايات المتحدة وإيران. فحتى البرلمان العراقي طالب بمغادرة القوات الأمريكية العراق، فيما أسرعت واشنطن لتأكيد أنها ستفرض عقوبات شديدة على بغداد فيما لو تم انسحاب هذه القوات فعلا.
الأيام القليلة المقبلة، ستشهد بلا شك مزيدا من عدم اليقين على صعيد الأسهم، وستدعم وضعية القطاعات الأخرى، خصوصا المعادن الثمينة، في حين ستكون لأسهم النفط والغاز قفزات، مرتبطة بطبيعة سير الحراك الراهن في الشرق الأوسط ككل.

إنشرها