default Author

الجدة موسز

|

كل فرد منا لديه مخزون من المواهب والقدرات الدفينة قد يتعرف عليها في مرحلة من حياته، لكنه يتجاهلها لإيمانه بأنه عاجز وأن القطار قد فاته فيركن لليأس والأحزان ويعيش منتظرا الموت حاملا هم الدنيا والآخرين فوق رأسه وكأنه مسؤول عن العالم ولو أنه ركز في نفسه وأعاد اكتشافها لكان خيرا له ولمن حوله، طالما أن الله منحك الحياة لا توقفها وتوقف عن لعب دور المتفرج!
هناك في إحدى المزارع التي تقع على أطراف مدينة نيويورك، ولدت "آنا ماري روبرتسون" عام 1860 في عائلة مكونة من 11 فردا، نشأت في بيئة ريفية وتلقت تعليما بسيطا مارست خلاله الرسم، لكن سرعان ما شغلتها ظروف الحياة القاسية عن ولعها بالرسم، حيث عملت منذ سن الـ12 كمدبرة منزل في بيوت أغنياء البلدة، وعندما بلغت الـ27 تزوجت من توماس موسز وانتقلت معه إلى فرجينيا وعملا في الفلاحة وأنجبت منه عشرة أطفال، مات منهم خمسة!
عادت في عام 1905 إلى نيويورك، مع بقايا حسها الفني الذي كانت تظهره في التطريز وتكوين لوحات، زينت بها منزلها المتواضع، استمرت في الفلاحة بعد وفاة زوجها إلى أن تقدم بها العمر، فتركت الفلاحة واستمرت في التطريز ولم تستمر طويلا بعد إصابتها بالتهاب المفاصل وهي في سن الـ76، فعرضت عليها شقيقتها أن تمارس الرسم بدلا عنها، وهنا تم إيقاظ تلك الموهبة الدفينة والحلم القديم!
عادت للرسم، وتميزت رسوماتها بالبساطة والواقعية التي تصور بها حياة ومناسبات الريف الأمريكي جذبت لها المعجبين وأصبحت تبيع لوحاتها بمبالغ زهيدة.
وفي عام 1938 وهي على مشارف الـ80 جاءتها الشهرة والمجد بعد أن شدت إحدى لوحاتها المعلقة على جدار صيدلية انتباه أحد المهتمين بالفن ويدعى لويس كالدور، الذي اشترى منها عديدا من اللوحات، عرض ثلاث منها في معرض للرسامين المغمورين في متحف الفن الحديث في نيويورك ومن هذا المعرض لمع اسم الجدة موسز في سماء الفن، ليقام لها معرض خاص عام 1940 تزايد الطلب على لوحاتها وتمت طباعتها على بطاقات الأعياد والطوابع الأمريكية، حتى وصل سعر مبيعاتها إلى نحو 1.5 مليون دولار!
توفيت "الجدة موسز" وقد تجاوزت الـ100 عام تاركة خلفها ما يزيد على ألفي لوحة وشهرة عمت الآفاق وجوائز عدة وعبرة باقية لكل الأجيال بأن الأحلام لا تموت والعمر لا يتوقف حتى بعد الموت!

إنشرها