Author

سباق التكنولوجيا والركود العالمي

|


لا شك أن الاقتصاد العالمي يمر بفترة حرجة، مردها أساسا إلى معركة بين أطراف عدة حول قضايا عدة ليس أقلها التوازن في الميزان التجاري بين الولايات المتحدة والصين، لكن هناك مأزق آخر لا يقل أهمية وهو ما يتعلق بالرغبة الجامحة في السيطرة على جيل الاتصالات فائقة السرعة G5، الذي سيمكن من يهيمن على هذا الجيل من التربع على عرش الاقتصاد العالمي، ليس هذا فحسب، بل حتى السياسي منه، فالمستقبل المتعلق بحياة الإنسان مع الآلة في عالم إنترنت الأشياء والسيارة ذاتية الحركة والأجهزة فائقة الذكاء، يتطلب استمرار الإنفاق والنمو في هذا الجانب. هنا تبدو الصورة غير واضحة تماما، فعلى الرغم من تنامي الصراع وتزايد النزعة الحمائية على مستوى الاقتصاد العالمي في الأعوام الأخيرة، إلا أن هناك اتجاها إلى توسع الإنفاق على تكنولوجيا المعلومات والأجهزة الرقمية، فالصراع يبدو حتميا، فيما سيتعلق بقطاعات معنية تتمتع بتنافسية عالية وتعتمد عليها سلال الإمداد في العالم. ونتائج هذا الصراع ليست مبنية على أساس الفوائد المشتركة، بل على أساس أن يكون أحد الطرفين خاسرا في نهاية اللعبة الاستراتيجية الدائرة، وهذا بالتأكيد انعكس على حالة الاقتصاد العالمي من حيث الركود وبما يجعل النمو يتراجع في الدول التي بالكاد بدأت تشعر بالتحسن نتيجة الإجراءات الكثيرة التي انتهجتها من أجل فتح الأسواق والتنافسية، ومع ذلك فإن قطاع تكنولوجيا المعلومات يأخذ مسارا مختلفا تماما في الدول الاقتصادية المتصارعة مع تنامي الإنفاق العالمي على هذا القطاع الذي بلغ 3.79 تريليون دولار في عام 2019، بزيادة قدرها 6 في المائة عن 2018، وسط توقعات بنمو الإنفاق العالمي على تكنولوجيا المعلومات 3.7 في المائة في 2020. هذا الاتجاه المعاكس للتيار يثير الأسئلة، ومع ذلك فإنه بقليل من التأمل يبدو صحيحا ومتفقا تماما مع وقائع الصراع العالمي اليوم.
التراجع الرئيس الذي شهدته الأسواق العالمية جاء أساسا من عقوبات متناظرة مدروسة بعناية، فما تسعى إليه الأطراف هو الضغط نحو مزيد من التوازن، لكنه ليس بشكل يعطل السباق نحو المستقبل، فالعقوبات التي فرضت كانت تمس صناعات غير تلك المتعلقة بتكنولوجيا المعلومات، بل تمس صناعات تبدو استراتيجية لأول وهلة، لكنها ليست بالضرورة كذلك، فقد تم فرض زيادة التعريفة الجمركية على ما يقرب من ستة آلاف سلعة ومنتج صيني يتم بيعها في الولايات المتحدة، مثل حقائب اليد، والأرز، والمنسوجات. وردت الصين بمثل هذا الاتجاه، ومع ذلك بقيت صناعة تكنولوجيا المعلومات آمنة إلى حد ما من هذا الصراع، والسبب - كما أشرنا - إلى أنه لا أحد يريد أن يبقى خارج السياق، ذلك أن النمو الاقتصادي العالمي – كما يؤكد ذلك عدد من الخبراء المستقلين - سيرتبط دائما بالتقدم التكنولوجي، وتزايد القيمة الإجمالية للإنفاق على الأبحاث التقنية. وتشير البيانات الدولية لمعهد اليونسكو للإحصاء إلى أن الولايات المتحدة والصين واليابان تحتل المراتب الثلاث الأولى من حيث الإنفاق على البحث والتطوير، إذ أنفقت الولايات المتحدة 543 مليار دولار، بينما أنفقت الصين 496 مليار دولار، فاليابان بنحو 176 مليار دولار، ثم ألمانيا بنحو 127 مليار دولار، فكوريا الجنوبية بنحو 90 مليار دولار. كما تشير التقارير إلى أن 44 في المائة من الشركات الدولية تخطط لزيادة الإنفاق على التكنولوجيا في عام 2020، مقارنة بنحو 38 في المائة العام الماضي، كما يخطط ثلث الشركات الكبرى في العالم - من حيث عدد العاملين لديها - لنشر تكنولوجيا الجيل الخامس بحلول عام 2021.

إنشرها