Author

هل أنت سعيد بالتسريح من العمل؟

|


سؤال غريب، ولكن لا تتفاجأ من الإجابة عن هذا السؤال بـ"نعم"، في دولة أوروبية. وكما يقال إذا عرف السبب بطل العجب! يوجد نظام في السويد يعرف باسم "النظام الانتقالي" يهدف إلى تمكين الموظفين المفصولين أو "المسرحين" من أعمالهم لأسباب متعددة منها انتفاء الحاجة إليهم أو عدم الوفاء بمتطلبات العمل. ويعتمد هذا النظام على مساهمة الشركات في إطار ما يعرف بـ"مجالس الأمن الوظيفي". وتقوم هذه المجالس باستقطاب أفضل المدربين الذين يأخذون الموظفين "المفصولين" من أعمالهم في رحلة تدريبية يكتشفون من خلالها مهاراتهم وإمكاناتهم، ومن ثم يحاولون التوفيق بين تلك المهارات والقدرات وبين متطلبات بعض الوظائف والأعمال للحصول على وظائف جديدة. ونتيجة لهذا البرنامج النوعي الإبداعي أصبحت السويد الأفضل في إعادة التوظيف على مستوى العالم، فنحو 90 في المائة من المسرحين من أعمالهم يحصلون على وظائف مناسبة خلال عام مقارنة بنحو 30 في المائة في كل من فرنسا والبرتغال.
هذا الخبر المثير يجعلنا نقارن جهود صندوق تنمية الموارد البشرية "هدف" بهذه المبادرة، وكذلك يثير في الذهن عددا من التساؤلات والشجون. لا شك أن صندوق الموارد البشرية يبذل جهودا كبيرة، ويطرح مبادرات متنوعة ما بين التدريب وورش العمل، ودفع جزء من راتب الموظف في القطاع الخاص لمدة معينة، إلى جانب إعانة البطالة "حافز" ونحوها.
ولكن فعالية هذه الجهود تعتمد على الإبداع في تبني مبادرات نوعية، والحرص على الجدية في المتابعة، إلى جانب إجراء تقييم مستمر للبرامج والمشاريع بموضوعية ومن خلال جهة مستقلة. لا تكفي ــ في ظني ــ معالجة الأعراض والبحث عن الحلول السريعة، ولكن لا بد من معرفة موطن العلة وسبب التعطل، ثم البحث عن العلاج الناجح الفاعل. وإلى جانب جهود الصندوق لا تزال في الذهن تلك الأخبار التي تداولتها وسائل الإعلام عن الكليات التقنية المعتمدة على الشراكات الدولية التي ذهبت أدراج الرياح ولم تخدم المجتمع السعودي، بل بددت كثيرا من ثرواته في مشاريع غير مدروسة.
إن الحاجة ماسة إلى وجود برامج نوعية تنهض بالمجتمع وتخدم الاقتصاد، وليس هدفها البحث عن مسكنات فقط تخفف وجع البطالة لفترة محدودة، لتظهر من جديد بعد زوال تأثير تلك "المسكنات". لا بد من استشراف المستقبل والسعي لتأهيل الشباب لمهن المستقبل واحتياجات سوق العمل المتجددة، وهذا يتم من خلال إيجاد استراتيجية تحدد أولويات التوظيف على المستوى الوطني، وذلك بناء على التوجهات الوطنية في الصناعة والتجارة والخدمات وما ورد في "رؤية 2030". إن التوصل إلى مبادرة وطنية كبيرة يتطلب تضافر جهود كثير من الجهات مثل وزارات العمل والتجارة والغرف التجارية الصناعية إلى جانب صندوق تنمية الموارد البشرية لتحديد الاحتياجات المستقبلية لسوق العمل السعودية.
وقبل ذلك من الضروري تحسين جودة الدورات التدريبية التي يدعمها الصندوق وجعلها في متناول الشباب لرفع مستوى مهاراتهم، وغرس أخلاقيات المهنة في نفوسهم، بما ينعكس على سلوكياتهم في العمل ويرفع من معدلات إنتاجيتهم. من المؤسف أن كثيرا من الدورات التدريبية المتوافرة في السوق تهدف إلى تعظيم الربح على حساب الجودة، ولا تضيف للمتدربين سوى منحهم شهادة فقط. ليست العبرة بكثرة الدورات التدريبية، وإنما بجودتها وتحقيقها أهداف المتدربين واحتياجاتهم من جهة، والأهداف الوطنية من جهة أخرى. وأخيرا لا ينبغي أن يعمل الصندوق "هدف" بمعزل عن الهيئات والمؤسسات والشركات الكبرى مثل "أرامكو" و"سابك" و"منشآت" و"توليد الوظائف" وغيرها.

إنشرها