default Author

نهضة إفريقيا - هل توقفت؟ «2 من 3»

|


ساعدت أربع قوى رئيسة على دفع الطفرة الجديدة في البلدان التي تحركت قدما.
أولا، تحسنت الحوكمة بصورة ملحوظة، في كثير من البلدان على أقل تقدير. ووفقا لمستودع الفكر الأمريكي "بيت الحرية" أو FreedomHouse، قفز عدد الأنظمة الديمقراطية المنتخبة في إفريقيا، مما لا يزيد على أربعة أنظمة في 1990 إلى 23 نظاما اليوم. وصاحب الديمقراطية تحسن الحوكمة، بما في ذلك زيادة الحريات السياسية، وتراجع أعمال العنف، ومزيد من الالتزام بسيادة القانون، ومؤسسات عامة أقوى، وبيئة أعمال أفضل، وفساد أقل. ولا يزال الطريق طويلا أمام الأنظمة الديمقراطية الجديدة، كي تصل إلى مرحلة التمام، بينما تظهر الفروق في جودة الحوكمة من خلال درجات "مؤشرات الحوكمة العالمية"، التي يضعها البنك الدولي كل عام. وفي 2014، كان متوسط ترتيب الحوكمة في الأنظمة الديمقراطية البالغ عددها 23 نظاما في إفريقيا جنوب الصحراء يحتل الـ243 على مستوى العالم سابق "على كل من الهند والصين"، بينما كانت البلدان ذات الأنظمة غير الديمقراطية في الـ19 وتحسن مستوى الحوكمة في عدد قليل من البلدان غير الديمقراطية، لكن في حالات استثنائية وليس قاعدة.
ثانيا، هناك قادة وصناع سياسات أكثر مهارة. فبدأ الآن ظهور جيل جديد من المديرين والفنيين ورواد المشاريع في أعلى مستويات الهيئات الحكومية، ومنظمات المجتمع المدني، ومؤسسات الأعمال الخاصة. وقد أصبح الآن أصحاب المناصب القيادية في البنوك المركزية وأهم الوزارات الحكومية يتمتعون بمستويات أفضل بكثير من التدريب والخبرة والقدرات، مقارنة بمن سبقوهم منذ 20 عاما مضت.
ثالثا، وهو أمر له علاقة بما سبق، تحسنت السياسات الاقتصادية والاجتماعية بشكل كبير. فأصبحت الإدارة الاقتصادية الكلية أكثر فاعلية، مع زيادة مرونة أسعار الصرف، وتراجع التضخم، وانخفاض معدلات العجز في الموازنات، وارتفاع مستويات الاحتياطيات بالنقد الأجنبي. وانحسرت السيطرة القوية للدولة لتتيح المجال أمام نظم اقتصادية أكثر استرشادا بآليات السوق. وتخلصت الحكومات من كثير من التشوهات التي كانت تعوق النمو، ما أدى إلى زيادة انفتاح التجارة، وزيادة الاختيارات المتاحة للمزارعين عند شراء مدخلات الإنتاج وبيع منتجاتهم، وتراجع البيروقراطية وانخفاض تكلفة مزاولة الأعمال. وكانت أوجه التحسن المذكورة في السياسات هي أحد الأسباب التي مكنت عددا كبيرا من البلدان من تجاوز الصدمات العالمية العصيبة في الأعوام الأخيرة، بما فيها أزمة الغذاء في 2007 والأزمة المالية العالمية في 2008 - 2009 . رابعا، الوضع الأساسي الذي بدأ يتغير الآن. كانت الظروف الاقتصادية العالمية مواتية بوجه عام معظم الوقت في العقدين الماضيين، فاتسعت التجارة بوتيرة سريعة تصاحبها إمكانات الوصول إلى الوسائل التكنولوجية الحديثة والأفكار الجديدة، إلى جانب اتساع الأسواق. وأصبحت الصين سوقا كبيرة للصادرات ومصدرا رئيسا للاستثمار في كثير من البلدان. وكانت أسعار الفائدة منخفضة، فازدادت كثيرا القدرة على الاقتراض لمشاريع البنية التحتية. ومن عام 2002 حتى 2014، أسهم ارتفاع أسعار السلع الأولية في مساعدة كبرى البلدان المصدرة للنفط "أنجولا والكونغو وغانا ونيجيريا وغيرها" إلى جانب البلدان المصدرة لموارد أخرى، مثل ليبيريا وناميبيا وزامبيا. لكن ارتفاع الأسعار لم يساعد كل البلدان، فمعظم البلدان الإفريقية مستوردة للنفط وتضررت من ارتفاع الأسعار، وسجل كثير منها تغيرا طفيفا نسبيا في الأسعار الرئيسة، غير أن أسعار السلع الأولية دعمت النشاط الاقتصادي في معظم أنحاء المنطقة.
إضافة إلى هذه القوى الرئيسة الأربعة، كان للمعونة الأجنبية دور ثانوي مهم. فأسهمت المعونة مساهمة بارزة في تحسين الصحة، وساعدت على إنقاذ حياة الملايين من خلال البرامج التي زادت إمكانية الحصول على اللقاحات، وحسنت صحة الطفل، وحاربت أمراضا مثل السل، والملاريا وفيروس نقص المناعة البشرية - الإيدز. وتخلص معظم البحوث الأكاديمية في الأعوام الأخيرة إلى أن المعونة ساعدت على تعجيل وتيرة النمو في متوسط الحالات وتدعيم الديمقراطية في بعض البلدان، خاصة منذ منتصف التسعينيات، والرأي الذي يذهب إلى أن انتعاش أسعار السلع الأولية هو وحده سبب حدوث الطفرة في إفريقيا، هو رأي مبسط للغاية. فيغفل السرعة التي بدأت وتيرة النمو تكتسبها في 1995، أي قبل ارتفاع أسعار السلع الأولية بسبعة أعوام، وتأثير أسعار السلع الأولية، الذي تباين كثيرا بين دولة وأخرى "وأضر بالبلدان المستوردة للنفط"، والتغيرات في الحوكمة والقيادة والسياسة، التي كانت عوامل مهمة محفزة للتغير. ويكتسب تكوين فهم أوضح لدوافع النمو أهمية بالغة عند النظر في الآفاق المستقبلية: فلن تكون التقلبات في أسواق السلع الأولية هي العامل الوحيد، الذي يحدد مستقبل إفريقيا جنوب الصحراء على المدى البعيد، إنما سيحدده مدى النجاح في مواجهة هذه التحديات وغيرها... يتبع.

إنشرها