Author

السياحة .. اقتصاد بماء الذهب

|


في العام الماضي تصدرت فرنسا أكثر دول العالم ارتيادا من قبل السياح بأعداد فاقت 76 مليون سائح، حققوا لخزينة الدولة الفرنسية مبالغ تعادل 10 في المائة من الناتج الإجمالي، وجاءت إسبانيا في المرتبة الثانية بعدد 56 مليون سائح أضافوا 11 في المائة إلى الناتج المحلي، كما ارتفع عدد السياح إلى 49 مليونا في أمريكا و47 مليونا في الصين، ثم 37 مليون سائح في إيطاليا و28 مليونا في بريطانيا، لتأتي ألمانيا والمكسيك في المرتبتين السابعة والثامنة، اللتين ارتاد كلا منهما 22 مليون سائح.
في الوقت نفسه شهد العالم العربي ارتفاع أعداد السياح بقفزة كبيرة، رافقتها زيادة في إنفاقهم بنسبة 13 في المائة عن العام السابق، حيث وصل عدد السياح والزائرين للدول العربية إلى نحو 80 مليونا، بزيادة قدرها 5 في المائة، وبلغ حجم إنفاقهم نحو 78 مليار دولار. وتصدرت السعودية الدول العربية في أعداد الزائرين الأجانب بأكثر من 16 مليون زائر، تلتها الإمارات بنحو 15.8 مليون سائح، ثم المغرب بنحو 11.3 مليون سائح، فمصر بـعدد تسعة ملايين سائح.
في الأسبوع الثاني من شهر ديسمبر الجاري صدر تقرير منظمة السياحة العالمية ليؤكد مرة أخرى أهمية القطاع السياحي في الاقتصاد العالمي، حيث حققت العوائد السياحية خلال العام الماضي 1.7 تريليون دولار، لتشكل 29 في المائة من إجمالي عوائد الخدمات كافة، المكونة من 11 قطاعا رئيسا و155 نشاطا فرعيا.
وتزامن هذا التقرير مع صدور إحصائيات منظمة التجارة العالمية للعقد الماضي المنتهي في عام 2019، التي أكدت أن السياحة هي القطاع الخدمي الوحيد الذي لم يتأثر سلبا بالتباطؤ الاقتصادي، الذي عاناه معظم دول العالم نتيجة الأزمة المالية العالمية الخانقة في نهاية عام 2008، حيث تراجع معظم القطاعات الخدمية الأخرى بنسب متفاوتة، تخطت 36 في المائة في القطاع المالي، و27 في المائة في قطاع العقار، و18 في المائة في قطاعات الأعمال والاتصالات، و15 في المائة في قطاع البناء والتشييد، و9 في المائة في قطاع الخدمات الصحية والاجتماعية.
ومنذ بدء صدور الإحصائيات الرسمية للتجارة العالمية قبل نصف قرن إلى يومنا هذا، التي تشمل 32 دولة متقدمة و137 دولة نامية و37 دولة فقيرة، تفوقت العوائد المباشرة لقطاع السياحة على عوائد القطاعات والأنشطة الخدمية الأخرى كافة، حيث ارتفعت في العقد الماضي إلى ضعف عوائد التجارة العالمية في السلع الزراعية، وتخطت منذ الثمانينيات مجموع عوائد قطاعات الاتصالات والنقل والكهرباء.
ولأن الخدمات السياحية لا تعتمد فقط على نسبة امتلاك الآثار التاريخية، لجأت دول العالم إلى صياغة استراتيجياتها السياحية لتتنافس على جذب أفواج السياح وتحقيق العوائد المربحة لاقتصاها. لذا نجحت فرنسا، التي لا تملك سوى 3 في المائة من الآثار التاريخية العالمية، في التربع على عرش أكثر الدول ارتيادا من السياح، بينما جاءت دول إفريقيا والشرق الأوسط، التي تمتلك 53 في المائة من الآثار العالمية في ذيل قائمة أقل الدول ارتيادا من قبل السياح، لعدم وجود استراتيجية واضحة لجذب الوفود السياحية.
من هذا المنطلق أطلقت السعودية استراتيجيتها السياحية الوطنية الهادفة إلى استقبال 100 مليون زيارة سنويا بحلول 2030، في مقابل نحو 41 مليون زيارة في الوقت الراهن. وبهذا ستصبح السعودية بحلول 2030 واحدة من بين أكثر خمس دول تستقبل السياح على مستوى العالم، وبعائدات تصل إلى 10 في المائة بدلا من 3 في المائة من إجمالي الدخل القومي، فيما سيصل عدد الوظائف في القطاع إلى 1.6 مليون وظيفة مقابل 600 ألف وظيفة حاليا.
تحقيقا لهذه الاستراتيجية ستتنافس السعودية مع الدول الأوروبية، التي تستحوذ على 54 في المائة من عوائد السياحة العالمية، تليها الدول الآسيوية بنسبة 20 في المائة، ثم الأمريكتان الشمالية والجنوبية بنسبة 16 في المائة، وقارة إفريقيا ودول الشرق الأوسط بنسبة 5 في المائة لكل منها.
ونظرا إلى أن الخدمات السياحية لن تنجح في دول تتغنى فقط بمبانيها الرخامية المحاطة بأكوام القمامة، وتتفاخر بأبراجها المتعالية المزينة بمخلفات بنائها، وتتباهى بشواطئها الذهبية المسورة لصد أنظار زائريها، أكدت السعودية في استراتيجيتها الطموحة ضرورة خدمة السائح وترغيبه في الاستمتاع بوقته وإثراء مخيلته ونقش الذكريات العطرة في قلبه، لتشجيعه على تكرار زيارته إلى دولتنا المضيافة.
وحيث إن السياحة هي فن الضيافة ومصداقية الخدمة وشهادة ائتمانية دائمة تمنح السائح القناعة بصرف مدخراته، بادرت السعودية بتوجيه سفاراتها إلى تسهيل الحصول على التأشيرات السياحية، وطالبت إدارات الجوازات والجمارك بحسن استقبال الأفواج السياحية في المطارات، وحثت الخطوط الجوية على ضرورة احترام مواعيد إقلاع الرحلات، وشجعت المواطنين على التفاني في كرم الضيافة وتقديم الخدمات وتوفير الأساسيات والاحتياجات من فنادق ومطاعم ومستشفيات وأندية رياضية ومتاحف ومسارح وملاعب وحدائق ترفيهية.
ونظرا إلى أن نشاط المؤتمرات والمعارض يعد من أهم الخدمات السياحية وأعلاها دخلا، أكدت الاستراتيجية السعودية ضرورة تنمية هذا النشاط، خاصة أن العام الجاري شهد تنظيم أكثر من 13 ألفا من المؤتمرات والمعارض على مستوى العالم، ما أدى إلى تضاعف العوائد السياحية في الدول المضيفة. وحققت أمريكا المرتبة الأولى في هذا النشاط بإقامة 941 مؤتمرا حضرها 424 ألف زائر، تلتها ألمانيا بإقامة 682 مؤتمرا حضرها 246 ألف زائر، ثم بريطانيا بعدد 592 مؤتمرا حضرها 192 ألف زائر.
علينا تشجيع السياحة لتحقيق أهداف رؤيتنا وزيادة عوائدنا، فهي النشاط الاقتصادي المطلي بماء الذهب.

إنشرها