Author

استراتيجية المياه بين الواقع والممارسة

|


تبذل وزارة البيئة والمياه والزراعة جهودا مشكورة في مأسسة أعمالها واستكمال التشريعات اللازمة للقطاعات التابعة لها، وتطوير خدماتها الإلكترونية، وكذلك الحد من الهدر، ومن ثم تعظيم الاستفادة من الموارد الطبيعية والإمكانات البشرية والمالية المتاحة. وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها الوزارة، إلا أنها تتعرض للنقد بين حين وآخر. وهذا ليس مستغربا، لأن مهامها وأنشطتها تختص بمجالات حيوية ومهمة، هي البيئة والمياه والزراعة. وعلى هذه القطاعات المهمة يتوقف عليها نجاح التنمية المستدامة، إذ لا يمكن تحقيق أهداف التنمية المستدامة دون المحافظة على البيئة وحمايتها من التلوث والتدهور، ودون تنمية الموارد المائية، وكذلك تحقيق الأمن الغذائي.
ومن ضمن الإنجازات الرائعة التي حققتها الوزارة: إعداد الاستراتيجية الوطنية للمياه التي حملت كثيرا من التحديات وقدمت كثيرا من الحلول والمبادرات. ومن الإحصاءات الكثيرة والمثيرة التي اشتملت عليها الاستراتيجية، أن الاستهلاك المرتفع للمياه على مستوى الفرد يصل إلى 263 لترا يوميا، وتسعى الوزارة إلى تخفيضه إلى نحو 150 لترا بحلول 2030، ومن اللافت للنظر أن معدل إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة لا يتجاوز نحو 17 في المائة فقط، وتستهدف الاستراتيجية رفعه إلى 60 في المائة. وعلى نحو متوقع، يستحوذ القطاع الزراعي على معظم استهلاك المياه (80 في المائة). ومن المثير أن هناك زيادة في تركيز النظائر المشعة في بعض طبقات المياه الجوفية في بعض المناطق، ما يزيد ارتفاع مستوياتها عن المعايير الإرشادية لجودة مياه الشرب.
وتهدف الاستراتيجية إلى تحقيق الأهداف التالية: 1 - ضمان الوصول المستمر إلى كميات من الماء المؤمنة في الحالات العادية وحالات الطوارئ. 2 - تحسين أداء الطلب على المياه في جميع الاستخدامات. 3 - تقديم خدمات مياه وصرف صحي عالية الجودة وموفرة للتكلفة لضمان أسعار مقبولة. 4 - المحافظة على موارد المياه وتحسين استخدامها مع المحافظة على البيئة المحلية لما فيها من مصلحة المجتمع السعودي حاليا ومستقبلا. 5 - ضمان تنافسية قطاع المياه ومساهمته الإيجابية في الاقتصاد الوطني من خلال الحوكمة الفعالة ومشاركة القطاع الخاص وتوطين القدرات والابتكار. ولتحقيق هذه الأهداف، اشتملت الاستراتيجية على عشرة برامج تنبثق منها مبادرة كثيرة ومتنوعة، لا يتسع المجال المخصص لهذا للإشارة إليها، لكن من أبرزها: تحسين ممارسات الري وتعزيز استخدام المياه المعالجة في الزراعة، بناء وتشغيل محطات معالجة الصرف الصحي، تنمية موارد المياه الجوفية المتجددة والمياه السطحية، توسيع سعة الخزن الاستراتيجي، تطوير استخدام العدادات الذكية والفوترة والتحصيل، تخفيف الفاقد ومعالجة الإمداد غير المنتظم، وتطوير قدرات التحلية المستدامة،
وأخيرا، أهنئ الوزارة على إنجاز هذه الاستراتيجية الشاملة، وأدعو لها بالتوفيق في تحقيق الطموحات الكبيرة لرؤية المملكة 2030. وعلى الرغم من شموليتها والجهد الكبير الذي بذل في إعدادها والتحديات الكبيرة التي تواجهها، أشير إلى بعض الملاحظات البسيطة التالية: 1 - تنفيذ الاستراتيجية وحساب مؤشرات الأداء KPI يتطلب تحسين شمولية وجودة البيانات والإحصاءات الخاصة بقطاع المياه، إذ يعاني هذا القطاع محدودية البيانات عن استهلاك المياه على مستوى المدن، والمحافظات، والمناطق. 2 - أرجو أن تشتمل الاستراتيجية على نظرة استراتيجية بعيدة المدى تعتمد على البحث والابتكار بدرجة أكبر، من خلال الشراكات المحلية والعالمية لتطوير تقنيات تحلية مياه البحر، وتطوير تقنيات وسائل الري، وتقنيات وأساليب استصلاح المحاصيل المناسبة للمناطق الجافة، وكذلك تحسين الترب الزراعية لخفض استهلاك المياه. 3 - تحديد حوافز مناسبة للقطاع الخاص للاستثمار في مجال المياه عموما وتطوير تقنيات الري وترشيد الاستخدام خصوصا، 4 - بذل مزيد في مجال التوعية والتدريب سواء في مجال الزراعة أو ترشيد استخدام المياه وإعادة استخدامها في الحدائق المنزلية، 5 - آمل أن تقوم الوزارة بتقييم الإنجازات ومؤشرات الأداء لبرامجها ومبادراتها، خاصة بعد مرور بعض الوقت على إقرارها.

إنشرها