Author

خدماتنا اللوجيستية لتعزيز مكانتنا العالمية

|


تحقيقا لأهداف رؤيتنا الطموحة تم في مدينة الرياض مطلع الأسبوع الماضي إعلان تأسيس الشركة السعودية للخدمات اللوجيستية، لتكون البوابة الرئيسة للشحن وخدمات المناولة الأرضية واللوجيستية في مطارات المملكة. وستعمل هذه الشركة على تعزيز تكامل ربط عمليات النقل البري والبحري بمطارات المملكة دعما لأهداف برنامج الخدمات اللوجيستية كمحور أساس من محاور التحول الاقتصادي الذي تشهده المملكة وفق أفضل المستويات والمعايير العالمية، سواء كان ذلك في تطوير البنى التحتية ومنصات ومستودعات الشحن أو في مرافق شحن بضائع التجارة الإلكترونية.
تزامن تأسيس هذه الشركة مع مضي عام كامل على صدور نتائج الدراسة الخاصة بالخدمات اللوجيستية في دول المعمورة التي اشترك في إعدادها خبراء من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية. فيها أجمع هؤلاء الخبراء على أن الدول ذات التكاليف المرتفعة في الخدمات اللوجيستية هي التي تفقد مزاياها الحقيقية وفرصها المثالية. كما أكد هؤلاء الخبراء أن أكبر مصدر لهذه التكاليف لا يتمثل في تكلفة النقل والشحن ورسوم الموانئ ومناولة البضائع والرسوم الجمركية، بل يكمن في تدني مستوى خدمات الأجهزة الحكومية، وتفاقم وتيرة البيروقراطية، وانعدام مبادئ الشفافية والاستشراف التي يعد جميعها عوامل أكثر أهمية من تكاليف الخدمات اللوجيستية.
ولقد ركزت الدراسة على الدول الأكثر تصديرا واستيرادا والأهم ارتباطا بالأسواق الدولية، حيث جرى تقييم خدماتها اللوجيستية بناء على ستة أبعاد أساسية تقع على مقياس يتدرج من الأسوأ إلى الأفضل، شملت كفاءة الخدمات الحكومية، وجودة البنية التحتية المرتبطة بمجالي التجارة والنقل، ومدة عمليات التخليص الجمركي، وسهولة ترتيب الشحنات بأسعار تنافسية، والقدرة على متابعة خطوط سير الشحنات وتتبع مسارها، ومعدلات وصول الشحنات إلى أصحابها في الوقت المحدد لها.
في هذه الدراسة جاءت ألمانيا في المركز الأول بين 160 دولة لتحقق أعلى مستوى أداء بنسبة 100 في المائة وحصلت على 4.23 نقطة من خمس نقاط، لكونها تتعامل مع المستوردين والمصدرين من خلال بوابة واحدة في هيئة موحدة، خالية من البيروقراطية ومشبعة بالكفاءة والمصداقية ومرتبطة بأفضل بنية تحتية.
وجاءت المملكة في المركز الـ52 بنسبة كفاءة أداء لا تزيد على 66.8 في المائة، لتحل في المرتبة السادسة عربيا بعد الإمارات التي حققت المركز الـ13 عالميا، ثم البحرين التي حققت المركز الـ 44، وعمان التي جاءت في المركز الـ48، ومصر التي سبقت المملكة في المرتبة الـ49 وبنسبة كفاءة أداء تساوي 67.7 في المائة.
لذا جاءت أهداف رؤيتنا الطموحة لنقل مستوى خدماتنا اللوجيستية إلى المركز الـ25 عالميا والمركز الأول إقليميا، ولتصبح المملكة من خلالها مركزا رئيسا للتجارة العالمية، وتسهم في زيادة صادراتنا غير النفطية من 16 إلى 50 في المائة على الأقل من الناتج المحلي غير النفطي. ولا شك أن هذه الأهداف ستستفيد من موقعنا الجغرافي المميز الذي يطل على أهم الممرات المائية التي تمر من خلالها 13 في المائة من حجم التجارة العالمية، خاصة أن رؤيتنا طالبتنا بضرورة استغلال هذا الموقع الفريد لتعظيم مكاسبنا الاقتصادية من خلال تطوير موقعنا اللوجيستي المميز والقريب من مصادر الطاقة ليكون محفزا لانطلاقة جديدة نحو الصناعة والتصدير وإعادة التصدير من خلال شركاتنا السعودية إلى جميع دول العالم.
وكي نحقق هذه الأهداف طالبتنا الرؤية أيضا بضرورة ترسيخ مبدأ الشراكة مع القطاع الخاص محليا ودوليا عن طريق تطوير نظام جمركي ذي كفاءة عالية، وتعديل الأنظمة القائمة بما يمكن مشغلي منظومة النقل وغيرهم من استثمار إمكاناتهم بصورة مثلى.
وكما جاء في الدراسة فإن تحقيق هذه الأهداف الطموحة يحتاج أيضا إلى تنفيذ الخطوات الرئيسة التالية:
أولا: إلزام جميع القطاعات الحكومية المرتبطة بالخدمات اللوجيستية بإنشاء بوابة واحدة من خلال هيئة موحدة مختصة لتحييد البيروقراطية ومنح الصلاحية وحصر المسؤولية.
ثانيا: اختيار المناطق الحرة القريبة من الموانئ السعودية الصالحة لمشاريع الخدمات اللوجيستية وربطها بكل وسائل النقل من سكك حديدية وطرق برية ومطارات دولية، مع تقديم جميع أنواع الدعم والمساندة لهذه المناطق من خلال تعديل الأنظمة وتحديث الأجهزة وتطوير المراقبة عن بعد.
ثالثا: تقليص الرسوم المفروضة على الصادرات والواردات وإعفائها من الرسوم الجمركية لكونها تعمل في المناطق الحرة أو مناطق الإيداع الخارجة عن النطاق الجمركي، مع ضرورة تشجيع شركات القطاع الخاص على تشغيل هذه المناطق والاستفادة من مقوماتها وتراخيصها بما يضمن أحقيتها النظامية في التصدير وإعادته، خاصة أن الخدمات اللوجيستية تعتمد في المقام الأول على الإدارة والكفاءة والسرعة في اتخاذ القرار لتأمين تدفق الموارد كمنتجات المصانع والطاقة والمعادن، حيث تكمن أهمية الخدمات اللوجيستية الاحترافية في توفير المنتج النهائي أو المواد الخام في الوقت المناسب بالسعر المناسب.
رابعا: التركيز على توطين وظائف الخدمات اللوجيستية لأهمية هذا النشاط في توليد وتوفير الوظائف، حيث يوظف ما نسبته 22 في المائة من القوى العاملة في الدول المتقدمة وتصل هذه النسبة إلى 30 في المائة في الدول النامية. وهذا يؤدي إلى زيادة المحتوى المحلي وتطوير التجارة المحلية والدولية وزيادة تنافسية المملكة، لتزداد مساهمة هذا النشاط في الناتج المحلي الإجمالي بنسب تصل إلى أكثر من 15 في المائة.
إذا أردنا فعلا أن نستفيد من مكانة المملكة الفريدة على خريطة القرية الكونية، ونحقق أهداف رؤيتنا الطموحة المشمولة بموقعنا الاستراتيجي المميز، فلا بد لنا أن نؤهل مقومات أجهزتنا الحكومية ونرفع قدرات قطاعاتنا المحلية لتصبح خدماتنا اللوجيستية هدفا لتعزيز مكانتنا العالمية.

إنشرها