Author

المفاوضات التجارية ضرورية للعالم أجمع

|


لم تنته المواجهة التجارية بين الولايات المتحدة والصين التي طالت بالفعل وهددت الانتعاش الاقتصادي العالمي؛ بل دفعت بعض الجهات لأن تتوقع تباطؤا لن يكون قصيرا للنمو العالمي. وخلال المفاوضات بين مسؤولي أكبر اقتصادين في العالم، تم فرض رسوم جمركية إضافية على سلع بعضهما بعضا. فالأول يتخذ القرار بهذا الشأن، والآخر ينتقم بقرار مماثل على الفور، وهذه الرسوم المرتفعة أسهمت إلى حد بعيد في تعثر المفاوضات بين واشنطن وبكين؛ بل هددت أكثر من مرة بانهيارها. لكن المفاوضات استمرت، وهذا في حد ذاته يعد إنجازا كبيرا، وتحسنت لغة الخطاب العلني لمسؤولي البلدين، حيث أصبحت أكثر مرونة واعتدالا، وبعيدة عن التعبيرات الاستفزازية. فالعالم انتظر نهاية ناجحة لمفاوضات تجارية لها آثارها المباشرة في الاقتصاد العالمي كله.
صحيح أن الاتفاق التجاري الكامل لم يتم بين الصين والولايات المتحدة، لكن الاتفاق الجزئي الأخير، أسهم إلى حد بعيد في نشر الأجواء الإيجابية على الساحة العالمية. فقبل هذا الاتفاق غير المكتمل، كانت التوقعات بتوقف النمو العالمي نهائيا، بسبب الحرب التجارية بين واشنطن وبكين، لكن مع هذا الاتفاق (غير المكتمل) تتوقع الدوائر الاقتصادية العالمية استمرار النمو العالمي على أرض صلبة أكثر مما كان عليه سابقا، وأن تتحقق بعض الخطوات المهمة على صعيد هذا الاقتصاد. فالحرب التجارية لا بد أن تتوقف، خصوصا في أعقاب تخلص الاقتصاد العالمي من آثار الأزمة الاقتصادية العالمية، التي ضربته في عام 2008، واستمرت نتائجها لعقد من الزمن.
مع المؤشرات الإيجابية على الساحة الصينية - الأمريكية، هناك أيضا مؤشرات بهذا المستوى على الساحة الأوروبية. فالانتخابات البريطانية العامة الأخيرة، التي ثبّتت وضعية حزب المحافظين في الحكم بأغلبية ساحقة، ستوفر أرضية صلبة أيضا لحسم موضوع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست". وهذه المسألة كانت تمثل منغصا دائما ليس فقط لطرفيها، بل للعالم أجمع. مع عدم إغفال وجود أزمة حقيقية، لكنها ليست في الصدارة بعد، بين الولايات المتحدة وأوروبا، بشأن الرسوم الجمركية. ففي الآونة الأخيرة فرضت واشنطن بالفعل رسوما جمركية إضافية على بعض السلع الفرنسية، مع ضرورة التأكيد على عدم وجود حرارة واقعية في العلاقات بين باريس وواشنطن، لأسباب عديدة من بينها المسألة التجارية، وحلف شمال الأطلسي وغير ذلك.
لكن في النهاية أي مؤشر إيجابي يظهر من "جبهة" الحرب التجارية الأمريكية - الصينية، هو في الواقع قوة دفع أخرى جديدة للاقتصاد العالمي. فكما هو واضح أن بكين وواشنطن تريدان التفاوض بصرف النظر عن مدته، وهذا في حد ذاته أمر يطلبه الجميع. كما أن هناك مؤشرات على ليونة الموقفين، بعد أن كانت متشددة إلى درجة كانت تُفرض الرسوم الجمركية الإضافية والطرفان على طاولة المفاوضات. هناك كثير من القضايا العالقة بين الطرفين، وهي ليست سهلة الحل، لكن أهم شيء أن تبقى المفاوضات مستمرة، لماذا؟ لأن الإجراءات التي ستتخذ في حال انهيارها ستضرب كل شيء، ومن المفارقة أنها ستضرب الساحتين الأمريكية والصينية أولا. وبالفعل عانت جهات أمريكية عديدة ارتفاع أسعار السلع الصينية، التي تعتمد عليها في إنتاجها؛ ما أثر سلبا في وتيرة الأرباح، بل الأداء العام لها. وكذلك الأمر على الجانب الصيني. الجميع سيكون خاسرا فيما لو فشلت المفاوضات التجارية الراهنة.

إنشرها