Author

بالأمر الملكي .. الفساد في أضعف حالاته

|


يمكن القول إن عنوان المرحلة هو المضي قدما. لقد انطلقت المملكة في مشروعها التحديثي منذ تولى الملك سلمان الأمر، لقد بدأت تلك المرحلة التاريخية المهمة بالقرارات الاستراتيجية وإعادة هيكلة كثير من مؤسسات الدولة، بدأت من القمة عندما تم إلغاء المجالس الكثيرة التي كانت تعزز البيروقراطية وتفتقد للتنسيق المشترك وإنشاء مجلسين هما مجلس الشؤون الأمنية ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، ثم توالت إجراءات إعادة ترتيب الهياكل الإدارية للجهات والوزارات تضمنت إلغاء استحداث ودمج عديد منها، لقد كان الشعار حينذاك هو التحول الوطني واسع النطاق، مع إطلاق رؤية مركزية هي رؤية المملكة 2030، ثم انطلقت المملكة بعد ذلك في عملية واسعة النطاق لمكافحة الفساد، بدأت من قمة الهرم الإداري في الدولة، على أساس أنه لن ينجو أحد ارتكب جريمة فساد وتلاعب بالمال العام، وتم تشكيل لجنة عليا برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وعضوية الجهات الرقابية، تعمل على حصر المخالفات والجرائم والأشخاص والكيانات ذات العلاقة بقضايا الفساد العام، والتحقيق وتتبع الأموال والأصول وتجميدها واتخاذ أي إجراءات تراها ضرورية وبما يعد محققا للمصلحة العامة أو إحالة المتهمين إلى الجهات القضائية، كما تم حينها إعادة ترتيب هيئة التحقيق و الادعاء العام ورفع استقلاليتها لتصبح النيابة العامة مع ربطها مباشرة بالملك، وهذا كله دفع بأعمال لجنة مكافحة الفساد إلى اتخاذ قرارات وإجراءات غير مسبوقة، واستطاعت اللجنة استدعاء أكثر من 370 شخصا وبلغت قيمة المبالغ المستردة للمالية العامة أكثر من 400 مليار ريال. هذا السرد التاريخي مهم جدا لفهم المرحلة الحالية التي أكدها خادم الحرمين الشريفين في خطابه بمناسبة صدور الموازنة العامة 2020، حيث أكد أن المملكة عقدت العزم على المضي قدما في الإصلاحات التي بدأتها.
وبالأمس صدرت الأوامر الملكية بإعادة الترتيبات التنظيمية لعدد من المؤسسات الرقابية لتتناسب مع المهام الموكلة إليها، وتسريع العمل تأكيدا على العزم في المضي قدما، حيث تم ضم هيئة الرقابة والتحقيق والمباحث الإدارية إلى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد "نزاهة" وتعديل اسمها ليكون "هيئة الرقابة ومكافحة الفساد"، ومنح الهيئة الجديدة صلاحيات عدة، من أبرزها إنشاء وحدة تحقيق وادعاء جنائي، وفصل الموظف الحكومي الذي تحوم حوله شبهات الفساد، مع استمرار مقاضاته قانونيا. في هذه الأوامر الملكية نقرأ كيف يصبح الخطاب الملكي في يوم إعلان الميزانية واقعا إداريا يعمل من أجل تحقيق الأهداف، فالميزانية التي بلغت اليوم قيمة قياسية فوق التريليون ريال، تتطلب معها مراقبة صارمة، وضبط الإنفاق يتطلب في الوقت نفسه مساءلة جادة، وكان الفساد قد وجد في تعارض الأدوار الرقابية وطول إجراءات المساءلة والتقاضي سابقا فرصة سانحة للوصول إلى المال العام وتعطيل المشاريع حتى غدت المشاريع المتعثرة سمة عامة، لكن مع الترتيبات الجديدة والقدرة على اتخاذ قرارات صارمة تصل إلى الفصل بالأمر الملكي، فإن الفساد أصبح في أضعف حالاته تماما، وكأننا نرى الملاذات الآمنة للفساد تنهار، وهذا في مجمله يعزز قضايا عدة، أولها وأهمها زيادة كفاءة استخدام الأموال العامة بما يعود بالمصلحة على المواطنين، وكذلك زيادة الفرص للمخلصين الجادين للوصول إلى أقصى قدراتهم للإنتاج وهذا يعزز الإنتاجية الوطنية وينعكس بكل وضوح على النمو الاقتصادي، وهذا في مجمله سينعكس إيجابيا على المؤشرات الوطنية والخاصة بالفساد، والمؤشرات العالمية ذات الصلة، ما يعزز تدفق الاستثمارات إلى المملكة ويعزز فرص التوظيف والنمو في نهاية المطاف، كما أن هذه الإجراءات تعزز من نهضة البلاد في جميع مفاصلها، والمضي قدما نحو تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030.

إنشرها