Author

الاكتتاب وبناء المحفظة الاستثمارية

|


سؤال يتردد كثيرا، اكتتبت وارتفع السعر والحمد لله، متى أبيع؟ الجواب بكل بساطة، لا تبع. الخطوة المقبلة هي بناء محفظتك الاستثمارية بطريقة تخدمك في الأعوام المقبلة. وكي تتضح الصورة سأبدأ من النهاية بقصة بسيطة لمتقاعد يسافر من وقت لآخر وينشط وسط الأسبوع بهوايته الخاصة المكلفة "بعض الشيء"، ويرعى أعماله الخيرية عدد من المستفيدين، ويحضر من وقت لآخر في نهاية الأسبوع اجتماعيا بشكل مؤثر. يمول هذا المتقاعد السعيد كل مصاريفه من مصادر دخل مستمرة ومضمونة إلى حد كبير. كيف يقوم بذلك؟ وما علاقة استثماراته التي قام بها في مراحل متقدمة من حياته بهذه النتيجة -الحلم؟
بكل بساطة، تغطي مصادر الدخل المتنوعة لهذا المتقاعد -من اللحظة الأولى لتقاعده- مصاريفه بشكل كاف. تحديدا، لديه فائض نقدي من عوائد الاستثمار وأصوله يكفيه لتغطية كل مصاريفه المتنوعة التي تشمل المصاريف الاعتيادية وتكاليف السفر والأنشطة دون أن تعرضه إلى الدخول إلى مرحلة جفاف أو تقشف بعد التقاعد. وهذا الأسلوب ليس ملزما لأحد، لكنه يمثل إلى حد ما صورة معقولة ومستهدفة من الحرية المالية، وللآخرين أن يختاروا غير ذلك مثل التخطيط لحياة على الكفاف أو التخطيط لحياة باذخة جدا إن استطاعوا.
ماذا فعل هذا المتقاعد؟ يصرف هذا المتقاعد تقريبا 40 ألف ريال شهريا، 15 ألف ريال من راتبه التقاعدي، و25 ألفا عبارة عن دخل استثماري شبه ثابت. يشكل دخله الاستثماري عائدا متفاوتا بنسبة 4-5 في المائة من محفظته التي بناها على مر الأعوام. وإذا انخفض العائد بعض الشيء لا مانع لديه من تسييل جزء من المحفظة بحد أقصى 4 في المائة. ما يعني أن هذه المحفظة ستخدمه على الأقل لـ25 عاما مقبلة بعد تاريخ تقاعده. وبهذه الأرقام يتضح لنا أن المحفظة التي تصنع له 25 ألف ريال شهريا أو 300 ألف سنويا بمعدل سنوي 5 في المائة يجب أن تبلغ قيمتها ستة ملايين، وفعليا هذا هو إجمالي ثروة صديقنا المتقاعد المدرة للدخل التي حققها بعد تخطيط والتزام استمر كامل حياته العملية.
من أكبر التحديات النفسية لدى كثيرين أنهم ينظرون لأي مبلغ يتجاوز المليون كمسألة يصعب تحققها. في نظرهم، هناك أصحاب الملايين وهناك من هم من بقية المساكين، وهذا وهم وحاجز نفسي لا معنى له. المليون لم يعد مبلغا كبيرا جدا حين ننظر على خط الزمن أو حين ننظر لتأثير التضخم، وكثير من المتعلمين والمهنيين ممن يستطيع أن يتملك منزلا ويدخر مبلغا ويصنع مصادر جديدة للدخل تنقله من أصحاب المئات والألوف إلى أصحاب الملايين.
تتكون محفظة هذا المتقاعد من وحدتين عقاريتين بقيمة إجمالية تصل إلى 1.5 مليون ريال بدخل متفاوت بدأ من 12 في المائة تردى أخيرا إلى 3.5 في المائة مع نمو في قيمة العقار بنسبة جيدة. عقاره التأجيري في الأساس كان بيتا شعبيا، إضافة إلى منزله الذي امتلكه لاحقا، أبدله فيما بعد بشقتين سكنيتين. الجزء الآخر من ثروته يتكون من محفظة أسهم وسندات منوعة بقيمة تبلغ 4.5 مليون ريال. كانت بدايته قبل ما يقرب من 30 عاما عن طريق الاكتتابات، حافظ عليها جميعها، وأسس عن طريقها على مدى عشرة أعوام تقريبا أسهم ممتلكة تتجاوز الـ600 ألف ريال. ثم نماها بالشراء الثابت على مدى 20 عاما أخرى، إذ يقوم باستقطاع جزء من راتبه بشكل منتظم لشراء الأسهم المتزنة المدرة للربح. بدأ بألفي ريال شهريا ثم ثلاثة حتى وصل إلى سبعة آلاف ريال آخر خمسة أعوام. في الفترة الأخيرة، قام بتنويع محفظته بين أسهم مدرة للأرباح، وصناديق متنوعة الأصول، وصناديق للصكوك والمرابحات، وكان يسحب منها ويضيف إليها بشكل متقطع لا يؤثر في آلية تنمية المحفظة المستمرة. وبهذه الطريقة يتمكن صديقنا المتقاعد من الحصول على ما يقارب الـ25 ألفا شهريا تزيد أو تنقص مع الحفاظ على رأسماله، وهو على أتم استعداد لتسييل جزء من رأسماله دون أن يتأثر أسلوب حياته.
تشكل الاستثمارات المنتظمة نقطة البداية لإضافة هوامش الدخل الجديدة، الاعتقاد بأن المرتب التقاعدي كاف أو ملائم وهم محض. يجب أن نخطط ليكون المرتب التقاعدي مساويا 30 في المائة من الدخل التقاعدي. وهذا يعني العمل على بناء مصادر دخل أخرى تستمر بعد التقاعد. ومن لا يجد من جهة عمله مثلا -ومعظمنا كذلك- برنامجا ادخاريا اختياريا يمكن تصميمه لسد الجزء الأكبر من هذا الفراغ، فعليه تصميم برنامجه الخاص بنفسه، والتفكير في تحسين مصادر الدخل الحالية واستثمار عوائدها لتتحسن مصادر الدخل التقاعدية. الاكتتاب الجيد المربح يمثل فاتحة خير للاستثمارات المربحة المنتظمة، ولعله يكتب خطوة بداية لسلوك ادخاري ممتاز وحياة لاحقة سعيدة.

إنشرها