Author

حالة الاقتصاد اللبناني

|
مستشار اقتصادي


طلبت الحكومة اللبنانية قبل عدة أيام من الدول الداعمة المساعدة لتأمين بعض الواردات بسبب نقص العملات الصعبة، ليست المرة الأولى، لذلك هناك إشكالية مزمنة. أحد معالم مجتمعات المنطقة أن السياسة تستحوذ على الاهتمام والعواطف وحساب التهاون في رصد حراك القوى الاقتصادية حتى تصبح من القوة والتأثير أن تغذي النزعات السياسية والعواطف ما يجعل القرار الاقتصادي أصعب وتستمر الدائرة السلبية لعل لبنان نموذج لهذه الدائرة التي تتكرر مع اختلاف الظروف الموضوعية لكل مكان. الأزمة في لبنان لم تبدأ في نوفمبر لكنها وصلت إلى درجة الغليان على أثر تراكمات في الإدارة. لعل نقطة البداية حين ذكر رئيس البنك الدولي في المنطقة في بداية الشهر الماضي أنه ليس لدى لبنان مزيد من الوقت لمعالجة التحديات الاقتصادية والاجتماعية. في بداية العام كان يتوقع البنك ركودا خفيفا لكن بعد الأزمة لن يكون الركود كذلك. في الفترة من 2018-2012 حقق لبنان نموا اقتصاديا متوسطا 1.6 في المائة مقابل نمو سكاني 3.3 في المائة، لذلك عانى الأغلبية تراجعا في دخولهم في ظل بطالة عالية خاصة بين الشباب في اختلاف عن حقبة التسعينيات.
استطاع رفيق الحريري في أواسط التسعينيات تحقيق بداية جديدة على أثر اتفاقية الطائف، بدأت إصلاحات الحريري في إنعاش الوسط التجاري في بيروت من خلال شركة "سولدير" التي أسهمت في إعادة الحيوية لقطاع السياحة والخدمات خاصة المصرفية، حيث استفاد الاقتصاد اللبناني من دعم المملكة وغيرها من دول الخليج وأيضا من المغتربين اللبنانيين. فبدلا من تقاسم وتجاذب مقبول في لبنان الفئوية مع الألفية، بدأت السياسة الإيرانية تتوسع في لبنان من خلال «حزب الله».
دائما أصبح تسلط «الحزب» عائقا على علاقات لبنان الاقتصادية والمالية إقليميا ودوليا. تدريجيا أصبحت لبنان أعلى دولة عربية مدينة قياسا على الدخل القومي الإجمالي، يقدر أن يصل حجم الدين الخارجي في نهاية العام إلى نحو 200 مليار دولار، أي نحو 150 في المائة من الدخل القومي. هذا بدوره رفع تكلفة تمويل القروض، حيث تصل الفائدة على سند الحكومة إلى نحو 7 في المائة، فنحو 10 في المائة من مصروفات الحكومة تذهب لخدمة الدين. النتيجة الحياتية أن نحو ثلث السكان تحت خط الفقر خاصة بعد تزايد اللاجئين السوريين.
تزايد الضغوط المالية على الحكومة المركزية ونقص التحويلات والدعم من الخارج وهروب الأموال تسببت في ضغط على الليرة اللبنانية، حيث تسبب نقص الدولار في تكوين سوق موازية حين لم يستطع البنك المركزي اللبناني المحافظة على السعر الرسمي، دولار واحد لكل 1500 ليرة. نقص الدولار أعاق الأعمال التجارية التي تحتاج إلى العملة الصعبة لتمويل الواردات واهتزاز الثقة بالجهاز الحكومي. استشرافا لابد من لملمة النظام الفئوي بشكل جديد يستطيع إعادة مركز الجاذبية للاقتصاد وإصلاح وإنقاذ القطاعات المهمة مثل «السياحة» و«المصرفي» و«العقاري» الذي ما زال متماسكا، لكن إذا استمر الضغط على القطاع المصرفي فلن يستطيع المقاومة طويلا. تاريخيا يتميز لبنان باللامركزية وهذه قد تكون خدمت القطاع الخاص النشيط حتى الفرد اللبناني في قلة اعتماده على القطاع العام، لكن لها أيضا جانب سلبي حين تقع الأزمات. حيث يصعب تكوين إجماع وإقناع أو حتى جر كثيرين لتضحيات كبيرة مقبولة في ظل شكوك متبادلة.

إنشرها