Author

حرب الفلبين ضد المخدرات .. تطور مفاجئ

|


أخيرا حدث ما يمكن تسميته بانقلاب في حرب الرئيس الفلبيني "رودريجو دوتيرتي ضد عصابات وتجار المخدرات التي بدأها عام 2016 كتنفيذ لوعد انتخابي قطعه على نفسه. فكما هو معروف، طلب بمجرد وصوله إلى السلطة في منتصف ذلك العام من أجهزة الشرطة والأمن علنا مطاردة هذه العصابات وقتل أفرادها حتى لو تطلب الأمر قتل الآلاف من المشتبه فيهم مع وعد بحماية رجال الشرطة من المساءلة القانونية، بل رفع رواتبهم أيضا لأنهم يقومون بواجبهم في حماية الفلبين وشعبها من آفة الإدمان على حد قوله.
كانت النتيجة مقتل نحو 27 ألف فلبيني طبقا لمصادر حقوقية غربية بينما قالت مانيلا إن الرقم مبالغ فيه كثيرا، وإنه لا يتعدى بضعة آلاف، ومعظم حالات القتل خارج إطار القانون كانت دفاعا عن النفس.
لهذه الأسباب ثارت ثائرة الإدارة الأمريكية السابقة وبعض الحكومات الأوروبية ومعها بعض المنظمات الحقوقية، وطالبت بضرورة مقاضاة دوتيرتي أمام محكمة الجنايات الدولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، والقتل المنهجي دون محاكمة. كما قام الكونجرس الأمريكي في عهد باراك أوباما بوقف مبيعات الأسلحة الخفيفة للشرطة الفلبينية وتحويل المساعدات الأمريكية المقررة للفلبين إلى جيشها بدلا من شرطتها. أما رد دوتيرتي فكان عدم الاكتراث بالتنديدات والتهديدات الموجهة لحكومته، والاستمرار في حربه المثيرة للجدل، بل منع مسؤولي محكمة الجنايات الدولية ومن في حكمهم من موظفي الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية من دخول بلاده لإجراء تحقيقات وجمع معلومات، مهددا بأن من يطأ منهم الأرض الفلبينية سيقدمه وجبة للتماسيح.
ولئن تمثلت ردود الفعل الأمريكية والأوروبية في هكذا مواقف، فإن الدول الآسيوية المجاورة للفلبين نأت بنفسها عن القضية مشيرة إلى أن هناك أشياء أفظع تحدث في العالم مقارنة بما يحدث في الفلبين، ومشددة على أن الموضوع شأن داخلي فلبيني بحت. أما الفلبينيون فقد وقف أغلبهم خلف زعيمهم مشيدين بحملته غير المسبوقة ضد العصابات الإجرامية ومافيا المخدرات، وإن اشتكت جهات قليلة من استغلال بعض منسوبي الشرطة لهذه الحرب في تصفية حساباتهم مع السياسيين والصحافيين المعارضين أو تحقيق مصالح خاصة.
التطور، أو ما وصفناه في بداية المقال بالانقلاب الذي حدث أخيرا، هو أن دوتيرتي كلف ليني روبريدو نائبة رئيس الجمهورية بقيادة جهاز الحرب ضد المخدرات. فإذا ما علمنا أن هذه السيدة زعيمة للمعارضة، وسبق لها أن عارضت الحرب زاعمة أنها تستهدف الفقراء بالدرجة الأولى، ثم وصفتها بالحرب التي فشلت في وقف تجارة المخدرات غير المشروعة، فإننا حتما سنكون أمام مشهد مختلف، خصوصا أنها شددت في أول تصريح لها بعيد تعيينها على إدخال تعديلات جوهرية على الحرب ضد المخدرات حيث تأخذ في الحسبان العلاج من الإدمان وإعادة التأهيل جنبا إلى جنب مع العقاب.
وسواء صحت أو لم تصح الأنباء القائلة: إن الرئيس استهدف بهذا القرار أن يتوارى قليلا عن حربه ضد المخدرات ومافياتها ويضع نائبته في فوهة المدفع كي يتحاشى الحملات الحقوقية الغربية ضده، فإن المؤكد هو أن روبريدو ستسعى إلى ترميم علاقات بلادها مع شركائها التقليديين وعلى رأسهم الولايات المتحدة التي تعد مسألة المخدرات وعصاباتها موضوعا حساسا بعدما اكتشفت أن الفلبين صارت مركزا تتعاون فيه عصابات المخدرات المحلية مع نظيراتها من الصين والمكسيك وأمريكا اللاتينية لإعادة تصدير المخدرات إلى الشواطئ الأمريكية، خصوصا أن هذه الشحنات تتسبب سنويا في وفاة الآلاف من الأمريكيين المدمنين.
غير أن تعيين روبريدو ربما يؤدي إلى انزعاج الصينيين الذين استثمروا كثيرا في قوات الأمن الفلبينية وبنوا لأنفسهم نفوذا متعاظما في أوساطها، من خلال تدريبها وتزويدها بالأسلحة في الوقت الذي كان فيه الغرب يحظر بيع السلاح لها. لذا لم يكن غريبا ما صدر من أحد قادة الشرطة الفلبينية في وقت سابق من أن المساعدات المقدمة من الصين من تدريبات وأسلحة هي الوسيلة المثلى لتحقيق إنجازات في عمليات التحقيق والمقاومة والتفاوض مع مهربي المخدرات ومحتجزي الرهائن.
بطبيعة الحال فإن بكين وجدت أن لها مصلحة في تزويد الشرطة الفلبينية بالمساعدات. وهذه المصلحة لم تنحصر في ردع عصابات المخدرات والجريمة المنظمة التي اختطفت 50 مواطنا صينيا بريئا وقتلت بعضهم فقط، وإنما شملت أيضا تسهيل دخول الآلاف من العمالة الصينية إلى الفلبين من أجل الانخراط في صناعة الألعاب المزدهرة في هذا البلد، وأيضا محاولة تهدئة مانيلا لجهة مطالبها السيادية في جزر متنازع عليها في بحر الصين الجنوبي، بعدما أصدرت محكمة التحكيم الدولية في لاهاي قرارا لمصلحة الفلبين في هذا الشأن في حزيران (يوليو) 2016.

إنشرها