Author

نظرة على بيان الميزانية

|


صدر أخيرا بيان ميزانية العام المالي 2020، وتضمن البيان أهم التطورات المالية شبه الفعلية للعام المالي 2019، وخطط وتوقعات الوزارة للعام المالي 2020. وما زالت النتائج النهائية للعام المالي 2019 غير مكتملة، حيث سيستمر الصرف من بعض بنود الميزانية لفترة من الوقت، كما أن العام المالي لا ينتهي إلا بنهاية شهر ديسمبر.
ولهذا فإن تقديرات الصرف والإيراد الفعلي للعام المالي 2019 شبه مؤكدة ولكنها غير نهائية. وقدر بيان ميزانية 2020 أن يصل إجمالي الإنفاق الحكومي الفعلي خلال عام 2019 إلى 1048 مليار ريال، وهو أقل من توقعات بيان ميزانية 2019 البالغة 1106 مليارات ريال. وهذه أول مرة منذ عدة أعوام يقل الإنفاق الفعلي خلال العام المالي عن المقدر في ميزانية العام، ما يشير إلى التزام متزايد بالانضباط المالي من قبل مؤسسات الدولة، والحد من ميل الإدارات الحكومية للمبالغة في الإنفاق. وستصل إيرادات الدولة خلال 2019 إلى نحو 917 مليار ريال وهي أقل من تقديرات ميزانية 2019، ولكنها ستحقق زيادة فعلية بحدود 1.2 في المائة مقارنة بالعام الذي قبله.
يتأثر الإنفاق الفعلي للميزانية بتطورات الإيرادات النفطية التي تحددها إلى درجة كبيرة تقلبات أسعار النفط الخام. وتميل الدولة إلى إنفاق أكثر مما هو مخطط في الميزانيات عندما تتحسن أسعار النفط، ولكنها تتحفظ كثيرا في إنفاقها عند تراجع أسعار النفط وكميات الإنتاج. وشهد أول عشرة أشهر من عام 2019 تراجعا نسبيا في أسعار النفط مقارنة بالعام السابق، حيث كان متوسط سعر برميل النفط الخام العربي الخفيف64.81 دولار في أول عشرة أشهر من 2019، ويقل هذا عن متوسط السعر في 2018 البالغ 72.05 دولار للبرميل. ويشكل النفط العربي الخفيف معظم صادرات المملكة من النفط الخام ولهذا فإن أسعاره تعكس إلى حد كبير أسعار الصادرات النفطية للمملكة. إضافة إلى ذلك شهد العام الحالي تخفيضات في إنتاج المملكة من النفط الخام في إطار جهود منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) لدعم أسعار النفط. وقد خفضت المملكة إنتاجها من النفط الخام بما يقارب نصف مليون برميل يوميا في أول عشرة أشهر من 2019 مقارنة بمتوسط العام السابق. وقد أثر هذا بشكل واضح في إيرادات النفط الحكومية وتسبب في خفض الإيرادات النفطية، ولكن زيادة الإيرادات غير النفطية محت أثر الانخفاض في الإيرادات النفطية وحققت زيادة طفيفة في إجمالي الإيرادات عن مستويات 2018. لقد قادت التوترات الدولية في العلاقات التجارية بين الدول الكبرى إلى خفض النمو الاقتصادي العالمي والطلب على النفط ما ضغط على أسعاره. ولولا هذه الضغوط والنمو المتواصل لإنتاج النفط خارج منظومة "أوبك" لحافظت أسعار النفط على مستويات 2018 على الأقل.
نجحت السياسة المالية في زيادة الإيرادات غير النفطية بقوة في الأعوام الماضية ما عزز مساهمتها في إجمالي الإيرادات وغدت تشكل 38 في المائة بعدما كانت تشكل أقل من نصف هذه النسبة منذ بضعة أعوام. ونمت مساهمة الإيرادات غير النفطية بشكل ملحوظ خلال 2019، وكانت أبرز الزيادات في مجال تحصيل الضرائب. ويتوقع أن ترتفع حصيلة الضرائب في 2019 إلى 203 مليارات ريال بزيادة تصل إلى نحو 35 مليار ريال أو ما يمثل نسبة نمو تقارب 20.5 في المائة خلال 2019 مقارنة بمستواها العام الذي قبله. وجاءت هذه الزيادة نتيجة لزيادة القاعدة الضريبية وبعض التعديلات الضريبية. ومن اللافت للنظر أن التحصيل الفعلي يفوق تقديرات الميزانية لبعض الضرائب وأبرزها ضريبة القيمة المضافة، ما يؤكد ارتفاع نسبة المكلفين بتسديد الضرائب وانخفاض مستويات التهرب الضريبي. وقد قادت حزمة الإصلاحات المالية والهيكلية التي تتضمن زيادة خصخصة الاقتصاد، ومراجعة الدعم الحكومي بما في ذلك الدعم المقدم لمنتجات الطاقة، ومراجعة الرسوم الحالية واستحداث رسوم جديدة وتطبيق ضريبة القيمة المضافة إلى رفع الإيرادات الضريبية وخفض بعض النفقات في عدد من الخدمات المخصصة خلال الأعوام القليلة الماضية.
قدرت إيرادات الدولة العامة للعام المالي 2020 بنحو 833 مليار ريال، حيث سترتفع الإيرادات غير النفطية بشكل طفيف لتصل إلى 320 مليار ريال. من ناحية أخرى تشير تقديرات الإيرادات أن هناك تحفظا واضحا في قيمة الإيرادات النفطية لعام 2020 وأنها أقل من مستويات العام الحالي بنحو 14.8 في المائة، ويرجع بيان الميزانية هذا الخفض إلى تحصيل أرباح استثنائية في قطاع النفط في 2019، ما رفع إيرادات النفط عن مستواها الطبيعي. ومع هذا يبدو أن التقديرات تظهر تراجعا طفيفا في أسعار النفط العام المقادم، وهذا منطقي في ضوء تطورات أسواق النفط العالمية حيث تشهد الأسواق ضغوطا واضحة على أسعار النفط العالمية.
يقدر بيان الميزانية أن مصروفات العام المالي 2020 ستكون بحدود 1020 مليار ريال. وهذا يشير إلى توجه بخفض طفيف في الإنفاق الكلي – خصوصا في الإنفاق الرأسمالي - لمواجهة الضغوط على الإيرادات النفطية، ولضبط الإنفاق وترشيده لتحقيق الاستدامة المالية، وخفض تعرض الإنفاق الحكومي لمخاطر تقلبات الإيرادات النفطية. وبناء على ذلك فلا يتوقع أن يحدث تغير كبير في سياسة الإنفاق الحالية. إن استمرار الإنفاق على مستوياته التاريخية ضروري لتحفيز النمو الاقتصادي، فالإنفاق الحكومي هو القاطرة التي تجر عربات الاقتصاد الوطني، وأي خفض كبير في مستويات الإنفاق سيقود إلى تراجع النمو الاقتصادي. وهذا لا يقلل من أهمية الاستمرار في إصلاح سياسات الإنفاق وزيادة كفاءة الإنفاق وتوجيهه لأكثر القطاعات أهمية لرفاهية شعب هذه البلاد الكريمة خصوصا الخدمات الأساسية كالتعليم والرعاية الصحية.
يقدر بيان الميزانية العجز المالي بنحو 131 مليار ريال في 2019، ممثلا 4.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. ويقل مستوى العجز لهذا العام بنسبة 24.5 في المائة عن مستواه في 2018. وستتمكن الدولة – حسب البيان - من إبقاء حجم العجز المالي ثابتا على الرغم من تراجع الإيرادات عن تقديرات ميزانية 2019، وذلك بسبب خفض النفقات بقيمة تراجع الإيرادات نفسها. ومن المتوقع ارتفاع العجز المالي العام المقبل 2020 إلى 187 مليار ريال حسب تقديرات البيان ما سيمثل 6.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العام المقبل. وجاءت تقديرات العجز العام المقبل أعلى من العام الحالي بسبب التحفظ في تقدير الإيرادات النفطية. وسيتم تمويل جزء كبير من العجز من خلال السحب من احتياطيات الدولة لدى مؤسسة النقد العربي السعودي ما سيخفف الضغوط على السيولة المحلية. وتشير الخطط المالية متوسطة المدى إلى توجه لخفض العجز المالي إلى مستويات مستدامة خلال ثلاثة أعوام.

إنشرها