Author

"إنما الأمم الأخلاق"

|

لاحظت خلال سفري عددا من الدول أن سكان الدول المتقدمة يتميزون بأمرين مهمين: الأول: الاهتمام بشؤونهم الخاصة بعيدا عن المتابعة المستمرة للآخرين. بل إن كثيرا ممن عرفتهم من هؤلاء لا ينظرون إلى الفوارق الاجتماعية باعتبارها عائقا لتكوين الصداقات والتعامل مع الآخرين. هذه الفكرة الأساس تصب في مفهوم مهم وهو التركيز على الإنجاز الشخصي بعيدا عن مقارنة النفس بالآخرين، وهذا في حد ذاته يمنع مفهوم الحسد الذي يتحدث عنه أغلب من نشاهدهم اليوم في وسائل التواصل.
الحسد المذموم الذي نشاهد نتائجه وتأثيره في الآخرين سواء كان هذا التأثير على شكل النقد الفاسد غير البناء وتتبع الأخطاء ومحاولة البناء على هدم الآخرين أم كان على طريقة الاستعانة بمن يؤدون دور السحر والشعوذة مع محاولات البناء على قتل كل من يحاول النجاح. هذا الحسد نتيجة حتمية لمراقبة الآخرين وتتبع حياتهم والاعتقاد الجازم أن من يبدو أمامنا يعيش حياته الخاصة بالمعايير الناجحة نفسها التي نشاهدها في علاقته المباشرة بنا وهو أمر خاطئ فكم من مُعانٍ في الليل يبتسم في النهار ويتعايش مع مصاعبه بطريقته الخاصة.
الميزة الأخرى التي رأيتها في سكان الدول المتقدمة بشكل عام هي: الصدق. الصدق مفهوم يجلب معه كثيرا من المعاني المهمة التي تتسم بالإيجابية والجمال. الصادق يكون عادة أمينا وهذا ما نلاحظه في تعامل أبناء الدول المتقدمة، ويمكن أن تلاحظ درجة صدق المجتمع أول ما تحط في أرض الدولة من مواجهة مسؤولي الاستقبال سواء من الجوازات أو الجمارك ثم خروجا للوسيلة الأهم في الحكم على المجتمع وهو الشارع. أول ما يواجه أحدنا في الشارع هم سائقو النقل الذين يمكن أن تحكم من خلالهم على صدق المجتمع.
هنا أدعو القارئ إلى التوقف ومراجعة كل الدول التي زاروها وربط الصفتين اللتين اخترتهما للحكم على تقدم المجتمع ونجاحه. أزعم أن الأغلبية سيوافقون، بل إنني أدعو إلى النظر في حالات شاذة، حيث ارتفاع مستوى التعليم ونسب المتعلمين ثم بقاء الدولة ضمن الدول التي تعاني الفقر والتلوث، وهذا يمكن أن نربطه بالصفتين، رغم أن البعض يظن أن انعدام الصفتين سببه الفقر الذي تعيشه هذه الدول والواقع هو أن انخفاض الاستفادة من المؤهلات سببه في الأغلب انعدام هاتين الصفتين وغيرهما. قد تتاح لي فرصة أخرى للتوسع في الوصف والربط لكنها فكرة عرضت علي وأنا أستقل الطائرة فأشركتكم معي فيها.

إنشرها