Author

البقاء للأنظف .. فوكوشيما نموذجا

|

على أمل إعادة تقديم المقاطعة للعالم بدأت حياة جديدة تدب في فوكوشيما، تلك المقاطعة اليابانية الواقعة شمال شرقي البلاد التي دمرها تسونامي عام 2011 وما تلاه من انهيار لمحطة الطاقة النووية. تنفض فوكوشيما التي تعد ثالث أكبر مقاطعة في اليابان الغبار عن نفسها وتتأهب للتحول إلى مركز للطاقة المتجددة.
منذ أكثر من ثمانية أعوام في آذار (مارس) 2011 تسبب زلزال بلغت قوته تسع درجات في حدوث تسونامي هائل اجتاح مفاعلات فوكوشيما وتسبب في أسوأ كارثة نووية منذ حادثة تشيرنوبيل عام 1986. ومنذ ذلك الحين لا تزال عملية إزالة التلوث في محطة فوكوشيما النووية ومحيطها مستمرة.
منذ عام 2011 عزز كل من الدولة اليابانية وحكومات فوكوشيما المحلية المتعاقبة إنتاج الطاقة المتجددة في المقاطعة. ولتلبية احتياجات المنطقة بأسرها من الطاقة من خلال المصادر المتجددة بنسبة 100 في المائة بحلول عام 2040، فإن الجهود جارية لتطوير وتكامل مصادر الطاقة النظيفة مثل الكتلة الحيوية والطاقة الحرارية الأرضية والطاقة الكهرومائية والطاقة الشمسية والرياح.
وهناك بالفعل خطط استثمارية لبناء 11 مزرعة شمسية جديدة وعشر محطات طاقة رياح في الأراضي الزراعية غير المستغلة والتلال الملوثة بالإشعاع. وسيتم تطوير محطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح الجديدة هذه في الخمسة أعوام المقبلة، على أن يتم إنشاء أول محطة للطاقة الشمسية بقدرة 20 جيجاواط في ميناميسوما .وتبلغ التكلفة التقديرية لإجمالي أعمال بناء محطات الطاقة الخضراء في فوكوشيما 300 مليار ين ياباني، أو 2.75 مليار دولار.
وبالنظر إلى المسار الحالي في المنطقة فإن اليابانيين متفائلون بشأن الطاقة الكهربائية التي سيتم توليدها، حيث أنتجت فوكوشيما 400 ميجاواط فقط من الكهرباء عام 2012، ثم زادت إلى 1 جيجاواط عام 2016، وبحلول عام 2018 وصل توليد الطاقة الكهربائية في منطقة فوكوشيما من مصادر الطاقة المتجددة إلى 1.5 جيجاواط. ومن المتوقع أن تضيف 21 محطة جديدة قيد الإنشاء 600 جيجاواط إلى إنتاج فوكوشيما من الطاقة المتجددة، أي ما يعادل متوسط استهلاك 114 ألف أسرة أمريكية.
وفي الوقت نفسه يجري العمل على إنشاء شبكة جديدة بعرض 50 ميلا. وستقوم الشبكة الجديدة عبر شبكة نقل الطاقة التابعة لشركة طوكيو للطاقة الكهربائية TEPCO بتوصيل وتزويد الطاقة من فوكوشيما إلى المناطق الحضرية في العاصمة اليابانية طوكيو على بعد نحو 155 ميلا جنوب مقاطعة فوكوشيما. وتبلغ التكلفة المتوقعة للشبكة الجديدة 29 مليار ين، أو 267 مليون دولار.
وتتماشى خطة عمل الطاقة النظيفة الجديدة هذه مع هدف مقاطعة فوكوشيما المتمثل في توفير نسبة 40 في المائة من الطلب على الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2020 ونسبة الثلثين بحلول عام 2030 ونسبة 100 في المائة بحلول عام 2040. والهدف النهائي لعام 2040 يخص جميع الأراضي اليابانية وتحولها للعمل بالكامل بالطاقة المتجددة.
ومن المتوقع أن ترتفع نسبة الاعتماد على الطاقة المتجددة عالميا حيث أصدرت وكالة الطاقة الدولية IEA أخيرا تقرير توقعات سوق الطاقة المتجددة لعام 2019 الذي تضمن تفاصيل تحليل الطاقة المتجددة والتقنيات المتجددة. وفي هذا التقرير تظهر اتجاهات الصناعة أن إجمالي قدرة الطاقة المتجددة في العالم ستنمو بنسبة 50 في المائة في خمسة أعوام، بزيادة قدرها 1.2 تيراواط. وستشكل أنظمة الطاقة الشمسية الكهروضوئية 60 في المائة من هذه الزيادة.
وبسبب موقفها الواعي بيئيا والداعم لجهود تحقيق كفاءة الطاقة وتقليل التأثير في البيئة، تعد وكالة الطاقة الدولية من كبار مؤيدي الطاقة المتجددة، ومن شأنها أن تساعد على التخفيف من تغير المناخ وإيجاد مستقبل أكثر استدامة للطاقة.
وسجلت مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية أسرع معدلات نمو لها في الأعوام الأخيرة، ومن المتوقع أن تشهد هذه المشاريع معدلات نمو متزايدة في الأعوام المقبلة.
ويقول الدكتور فاتح بيرول المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية: "هذا وقت محوري للطاقة المتجددة، فالتقنيات مثل الطاقة الشمسية الضوئية والرياح تقع في قلب التحولات الجارية عبر نظام الطاقة العالمي، وأن نشرها المتزايد أمر حاسم للجهود المبذولة لمعالجة انبعاثات غازات الدفيئة، والحد من تلوث الهواء، وزيادة الوصول إلى الطاقة".
وكما يشير تقرير وكالة الطاقة الدولية فهناك ثلاثة تحديات رئيسة تواجه قطاع الطاقة المتجددة تتمثل في "عدم اليقين في السياسات والتشريعات، ومخاطر الاستثمار العالية، وتكامل نظام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وهناك حاجة إلى إدخال إصلاحات مهمة في السياسات والتعريفات لضمان استدامة نمو الطاقة الكهروضوئية الموزعة".
ويمكن أن يؤدي انخفاض التكلفة إلى جانب الجهود السياسية الحكومية إلى دفع النمو في سوق الطاقة المتجددة، وهي أمور يمكن أن تتماشى جميعها تماما مع هدف اتفاقية باريس المتمثل في الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية. وتشير توقعات وكالة الطاقة الدولية لمشهد الطاقة المتغير إلى حاجة المرافق والبنية التحتية إلى التكيف بسرعة أيضا.

إنشرها