Author

مؤشر جودة الهواء

|

تطرقت المقالة السابقة إلى مؤشر الأداء البيئي الذي يرتب دول العالم. ويدخل في تركيب هذا المؤشر عشرة مؤشرات فرعية أهمها مؤشر جودة الهواء. يسهم مؤشر جودة الهواء بنسبة 26 في المائة في أهمية مؤشر الأداء البيئي العام. وتتسبب الأنشطة الإنسانية والطبيعية على وجه البسيطة في انبعاث الملوثات إلى الهواء. ويعد تلوث الهواء الداخلي "في المنازل" والخارجي من أكثر المخاطر الصحية التي يتعرض لها البشر في الزمن المعاصر، وهو من أبرز القضايا التي تواجهها الإنسانية. ويدخل في تركيب هذا المؤشر ثلاثة مؤشرات ثانوية هي مؤشر الوقود الصلب المستخدم داخل المنازل، ومؤشرا تعرض وتجاوز جسيمات التلوث الخشنة والدقيقة. وتتسبب ملوثات الهواء في خسائر بشرية فادحة حيت تأتي في المرتبة الرابعة في أسباب الوفاة المبكرة عالميا. وتقدر إحدى دراسات البنك الدولي أن 5.5 مليون شخص يفقدون حياتهم سنويا نتيجة تردي جودة الهواء. وتأتي الهند والصين على رأس الدول المتأثرة بتردي جودة الهواء حيث يفقد أكثر من مليون إنسان حياتهم سنويا في كل من البلدين.
تتربع أستراليا وباربدوس على رأس قائمة دول العالم في جودة الهواء نتيجة لارتفاع اهتمامات السكان بسلامة البيئة والالتزامات طويلة الأجل للوقاية من تلوث الهواء وكذلك العوامل البيئية المناسبة. وعموما تحتل المراكز الأولى في جودة الهواء دول اشتهرت باهتماماتها البيئية ومعظمها دول غنية ومتقدمة. في المقابل تحتل دول تقل اهتماماتها البيئية ذيل قائمة ترتيب دول العالم في جودة الهواء، ومن أبرز تلك الدول الهند والصين اللتان تقبعان خلفهما نيبال وبنجلادش في أسفل الترتيب العالمي. أما بالنسبة لمكونات المؤشر فيؤثر استهلاك الوقود الصلب في المنازل من أجل الطبخ والتدفئة في ترتيب معظم الدول النامية. ويوجد على رأس قائمة جودة الهواء داخل المنازل 12 بلدا تحقق العلامة الكاملة من بينها أستراليا. أما في مؤشر التعرض للجسيمات الخشنة والدقيقة في الهواء فتحقق أكثر من 80 دولة العلامة الكاملة في خفض تعرض السكان لمستويات ضارة بالصحة. من جهة أخرى تحتل 46 دول المركز الأول في مؤشر عدم تجاوز ملوثات الهواء المؤثرة في معظم السكان المستويات الآمنة، وأغلب تلك الدول نامية صغيرة أو غير مكتظة بالسكان مع عدد من الدول المتقدمة كأستراليا. تقف المملكة في المركز الـ56 عالميا في مؤشر جودة الهواء، وذلك لتحقيقها المركز الـ41 في مؤشر جودة الهواء داخل المنازل تؤكد الهيئات الدولية المتخصصة أن تجاوز معدلات ملوثات الهواء للمستويات الآمنة ولو بمعدل بسيط يتسبب في خفض الرفاهية الصحية للسكان. لهذا سيحسن خفض مستويات التلوث عالميا صحة البشر وجودة الحياة على وجه هذا الكوكب في الوقت الحالي والأعوام المقبلة. إضافة إلى المخاطر الصحية الكبيرة لتلوث الهواء هناك عديد من المخاطر البيئية والاقتصادية والاجتماعية التي منها اختلاطه مع مياه الأمطار وتساقط الملوثات "المطر الحمضي" على النباتات والحياة البرية بشكل عام. ويتسبب تلوث الهواء أيضا في زيادة مستويات الطحالب ما يؤثر سلبا في الثروة السمكية والنباتية. ويصاحب تلوث الهواء ارتفاع مستويات الأوزون المنخفض الملامس للأرض الذي يقود إلى مخاطر صحية كبيرة ويخفض من إنتاجية الحقول الزراعية. أما من الناحية الاقتصادية فيتسبب تلوث الهواء في خسائر جسيمة حيث يرفع تكاليف الرعاية الصحية العالمية بنحو 225 مليار دولار سنويا كما يخفض إنتاجية العمالة وجودة الحياة العالمية بما تقدر قيمته بخمسة تريليونات دولار سنويا حسب تقديرات البنك الدولي. في المقابل تحقق جودة الهواء المرتفعة مكاسب اقتصادية كبيرة كجذب السياحة والكفاءات البشرية وخفض التكاليف الصحية وزيادة إنتاجية العمالة ما يسهم في التنمية والرفاهية الاقتصادية.
يتواصل تراجع جودة الهواء في كثير من الأماكن خصوصا الدول النامية بسبب قلة الإمكانات وتبني سياسات التنمية غير المنسجمة مع جودة الهواء، وتدني اهتمام بعض المجتمعات والجهات المسؤولة بخطورة التلوث على صحة الإنسان والحياة بوجه عام. وعلى النقيض من ذلك خطا كثير من دول العالم المتقدم خطوات واسعة في سياسات الحد من التلوث، بل نجح كثير منها في خفض معدلاته الخطرة. ويتطلب خفض مستويات تلوث الهواء بشكل كبير برنامجا طويل الأمد يفرض معايير صارمة وغرامات مالية على انبعاثات الغازات الضارة من وسائل النقل والآلات والمصانع والمزارع، والحد من فوضى أنشطة الإنشاءات ومشاريع البنية الأساسية، ورفع جودة الوقود البيئية وزيادة كفاءة استخدامه، وتطوير وسائل النقل العام، ونقل الصناعات الأكثر تلويثا للهواء بعيدا عن التركزات السكانية، ونشر ثقافة التصدي للتلوث في المجتمع. ويمكن أيضا اتخاذ بعض الإجراءات العاجلة مثل التحول بأسرع وقت إلى استخدام الوقود النظيف، وإبعاد أماكن حرق المخلفات عن المدن، وتقنين انبعاثات وحركة المركبات وعمل المصانع عند ارتفاع معدلات التلوث، وإجبار كبار الملوثين على خفض انبعاثاتهم إلى أدنى حد ممكن خصوصا أثناء الظروف الجوية التي تفاقم تراكم الملوثات.

إنشرها