Author

أدوات الدين والاستثمار في الثقة

|

تستمر المملكة منذ انطلاقة برنامج التوازن المالي، في منهجها المالي المستند إلى استخدام الأدوات المالية المتاحة، ومن ذلك الصكوك الحكومية، خاصة أن هذه الأدوات تفتح المجالات أمام جميع المستثمرين نافذة استثمارية مهمة، كما أن هذا المنهج يسهم في تمويل المالية العامة مع توزيع تكلفة التمويل على أعوام عدة، وخلال الأعوام الماضية أصدرت المالية العامة أنواعا متعددة من الصكوك والسندات، تباينت في المدة بين متوسطة وطويلة الأجل، وفي عملة الإصدار ما بين الريال السعودي والدولار الأمريكي واليورو، حتى التنوع في الأسواق المالية التي تم طرح الإصدارات فيها. وهذا التنوع ضروري لدعم قيمة هذه الإصدارات وتفادي التقلبات السعرية، وأيضا تفادي المخاطر المنتظمة التي تواجه مثل هذه الأدوات المرتبطة بحالة الاقتصاد العالمي. كما حققت المملكة من خلال هذه الإصدارات نجاحا ملموسا، سواء في المنافسة في الفوز بحصة من الأدوات المالية، الصكوك أو السندات، أو في الفوز بأقل تكلفة على الدين، حيث تمت هذه العمليات عند مستويات عالمية متدنية الفائدة.
ولأن وجود المملكة في سوق السندات والصكوك العالمية مهم للاقتصاد السعودي، وذلك لأن بناء مستويات سعرية وثقة بالأسواق يحتاج إلى الاستمرار في توفير هذه الأدوات للسوق. لذا، فإن إعادة فتح إصدارات سابقة وتزاحم المستثمرين للفوز بالأدوات التي صدرت أخيرا أن، يؤكد المنهجية، وهي المحافظة على حصة مستقرة في الأسواق المالية، وهو ما يوفر تدفق الأموال المستمر للمالية العامة. فإذا كانت قيمة الإصدارات من الصكوك الحكومية خلال عام 2019، 64.7 مليار ريال، ذلك بعدما أعلنت وزارة المالية الانتهاء من استقبال طلبات المستثمرين لإصدارها المحلي لشهر تشرين الثاني (نوفمبر) تحت برنامج صكوك حكومة المملكة بالريال، إذ تم تحديد حجم الإصدار بمبلغ 1.41 مليار ريال، فالتدرج في الإصدار لو بحجم صغير، يشير إلى منهجية مدروسة في البقاء في السوق بإصدارات جديدة مبرمجة، ما يحقق الهدف، كما أن مبلغ الإصدار الأخير المنخفض يعد طبيعيا خلال هذه الفترة من العام، إذ تتبقى مبالغ قليلة لخطة الإقراض في 2019، كما أن إصدار تشرين الثاني (نوفمبر) يعد متوافقا مع الخطة السنوية للاستدانة التي تم إقرارها سابقا.
هناك خطة مدروسة في الطرح، حيث تحافظ على اهتمام المستثمرين بالإصدارات السعودية، وتحافظ على مستوى مخطط من التدفقات النقدية للمالية العامة، وهذا ظهر جليا من المقارنة التي أجرتها "الاقتصادية"، ففي العام السابق بلغ حجم إصدار صكوك تشرين الثاني (نوفمبر) 2018 ملياري ريال و1.2 مليار ريال لإصدار كانون الأول (ديسمبر)، وهو ما يشير إلى العمل المخطط والمنهجي الذي يسير عليه مكتب الدين العام في وزارة المالية، وكان له أثر بارز في توجيه العمل وحوكمته.
من المهم الإشارة إلى ما ذكره تقرير "الاقتصادية" بشأن الاتجاه الإيجابي لأسعار الصكوك والسندات الحكومية السعودية، وهذا رغم تراجع مستويات الفائدة على مستوى العالم، ومن المؤكد أن هذا الاتجاه الإيجابي يجعل أدوات الدين الحكومية تأخذ مكانة مهمة لدى المستثمرين بوصفها غطاء آمنا للاستثمارات، ولهذا فإنها تستحق تسعيرا أفضل كما هو الاتجاه الآن، ففي الأزمات تتجه الاستثمارات نحو تلك المناطق الأكثر أمنا، ويبدو أن السندات والصكوك السعودية بدأت تمثل هذا النوع الآمن من الأوراق المالية التي تبحث عنها الأسواق. بالطبع، فإن هذا يعود في الأساس إلى ثقة المستثمر بقدرة المالية السعودية على دفع العوائد في المواعيد المقررة، وهذا له أصل في هيكلة المالية العامة التي أدخلت الإيرادات غير النفطية عاملا مهما في هذه المعادلة.

إنشرها