Author

تساؤلات مشروعة حول البحث العلمي

|

يمثل البحث العلمي حجرا أساسا في التنمية المجتمعية في جميع المجالات. ففي البحث العلمي ينمو الاقتصاد، وتحل المشكلات التي تواجهه، سواء كانت مشكلات بنيوية أو عرضية. وفي البحث العلمي يعدل السلوك المعوج، وتعالج المشكلات الاجتماعية، وبه تتطور الصناعة وتتقن، وبه تنمو الزراعة، وتعالج الأوبئة، وبه يكتشف المجهول في الظواهر الطبيعية، وفي باطن الأرض، وفي الفضاء والكواكب.
اكتشاف القوانين الكونية التي تحكم نظام الحياة في هذا الكون يمثل مهمة من المهمات التي يعنى بها العلماء، سواء ما يتعلق بالعناصر الطبيعية، أو ما له علاقة بسلوك الإنسان، والحيوان، وذلك داخل المختبرات، أو بالدراسات الميدانية والحقلية. وما تحقق للبشرية من تطور في المجالات كافة لم يأت من فراغ، بل تحقق بفعل جهود مضنية وتراكمية، بذلت من قبل العلماء والباحثين في أنحاء العالم كله، ومنذ آلاف السنين، حين وضعت القواعد والأصول التي يفترض مراعاتها من قبل الباحثين والدارسين.
المنهج العلمي يقتضي تفكيرا علميا منظما، تحكم فكرته علاقات منطقية، ويستند إلى أسس وقواعد من نظرية أو قانون أو افتراض مقبول يمكن اختبار صحته في المختبر، أو في الميدان، كما أن أدوات البحث العلمي يلزم أن تكون موضوعية ومناسبة لموضوع الدراسة ومتغيراتها، سواء كانت الوسائل على شكل أجهزة تقيس وتحلل العناصر المادية، كما في العلوم الطبيعية من فيزياء وكيمياء وضوء وحرارة ونبات وتربة وصخور، وغيرها، وقد تكون الأدوات على شكل مقاييس عقلية وشخصية يتم باستخدامها معرفة الاتجاهات والميول والرغبات والسمات، إضافة إلى الاستبانات التي أضحت أداة شائعة، وربما الوحيدة من قبل طلاب الدراسات العليا من ماجستير ودكتوراه.
مع التطور التقني، خاصة البريد الإلكتروني، وجد الباحثون في العلوم الإنسانية أسلوبا ميسرا لجمع المعلومات من خلال عينات مفترضة، يعتقدون دون جزم أنها عينة ممثلة للمجتمع الذي يمكن تعميم النتائج عليه، وفي هذا شيء من المجازفة؛ نظرا إلى أن الباحث ليس له دور في اختيار العينة، إذ أوكلت المهمة لجهات مركزية داخل الجامعات ومؤسسات التعليم العالي ومراكز البحوث، كما في جامعة الملك سعود، حيث تتولى لجنة أخلاقيات البحث العلمي إرسال الاستبانة إلكترونيا، ولا خلل في توظيف البريد الإلكتروني في إيصال أدوات الدراسة، إنما الخلل في افتقاد الآلية المناسبة لتحديد العينة التي يفترض تمثيلها المجتمع كميا وكيفيا.
ومنذ بداية توظيف البريد الإلكتروني يردني كثير من الاستبانات، سواء من لجنة أخلاقيات البحث العلمي في الجامعة، أو من الباحث مباشرة، وأتأمل في كثير منها فأجد أني لست من العينة المفترض إجابتها عن الاستبانة، ويفترض ألا تصلني الاستبانة، وتفسيري لهذا أن الباحث ربما يجهل آلية تحديد مجتمع الدراسة، وكذلك آلية اختيار العينة، أو أنه غير مبال بذلك، وفي كلتا الحالتين ينعكس أثر ذلك في النتائج التي يتم التوصل إليها. لذا، على لجنة أخلاقيات البحث العلمي وضع القواعد، والإجراءات التي تضمن الوصول إلى العينة المستهدفة.
الخلل الذي يوجد في العينة ستكون نتائجه عدم الثقة بالنتائج والتوصيات المترتبة عليها، ومن ثم التشكيك في البحث العلمي وقيمته في حل المشكلات واكتشاف المجهول. إن افتقاد جودة البحث العلمي يجعل البحث ليس ذا قيمة، ومن ثم ضياع الجهد والمال.
في الفترة الماضية، وصلتني رسالة ماجستير من إحدى الجامعات في دول مجلس التعاون الخليجي، ولعل أبرز ما لاحظته آلية الوصول إلى عينة الدراسة التي يفترض تمثيلها مجتمع الدراسة، وهم موظفو الحكومة، حيث أرسلت الاستبانة إلى أفراد العينة عن طريق البريد الإلكتروني و"الواتساب"، إذ لا يمكن الجزم بأن من أجابوا عنها هم من موظفي الحكومة، كما لا يمكن الجزم بتمثيل جميع القطاعات الحكومية، إذ لا يوجد في إجراءات الدراسة ما يشير إلى الخطوات التي اتخذها الباحث لضمان التوزيع النسبي لأفراد العينة، حسب عدد موظفي كل قطاع، وهو ما يعرف بالاختيار الطبقي، والأجدر أن يكون لدى الباحث بيانات مفصلة عن موظفي الدولة ونسبهم في الدوائر المختلفة، وبناء على المعلومات يتم اختيار العينة.

إنشرها