Author

السلامة المرورية .. حضارة السلوك والمكان

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا

احتوت رؤية 2030 على عدة برامج يجمع بينها هدف العمل على تحقيق الرؤية، من هذه البرامج برنامجان: برنامج التحول الوطني وبرنامج جودة الحياة.
مما يستهدفه برنامج التحول الوطني الارتقاء بمستوى الخدمات المعيشية. وفي هذا الإطار نص البرنامج على أنه يستهدف تحسين مستوى المعيشة والسلامة المرورية وتحسين المشهد الحضري في المدن السعودية.
أما البرنامج الآخر جودة الحياة فقد ورد في توضيح طبيعة هذا البرنامج أنه يستهدف تحسين نمط حياة الفرد والأسرة وبناء مجتمع ينعم أفراده بأسلوب حياة متوازن، وذلك من خلال تهيئة البيئة اللازمة لدعم واستحداث خيارات جديدة تسهم في تعزيز جودة حياة الفرد والأسرة. كما سيسهم تحقيق أهداف البرنامج في توليد الوظائف، وتنويع النشاط الاقتصادي، وتعزيز مكانة المدن السعودية في ترتيب أفضل المدن العالمية. وحيث دعت برامج الرؤية إلى إشراك المستفيدين في التعرف على التحديات وابتكار الحلول. فإنني في هذا المقال أتطرق إلى ما يدعم السلامة المرورية وتقليل الحوادث وتحسين المشهد الحضري في المدن السعودية، وتعزيز مكانتها بين المدن العالمية. وفي الوقت نفسه يسهم في تحسين السلوك الحضاري لأطفالنا خاصة أفراد المجتمع عامة. كما يسهم في تعزيز النشاط البدني للأفراد بغرض تحسين جودة حياتهم وصحتهم.
من المعلوم قطعا أهمية تعود أفراد المجتمع على سلوكيات حضارية. وتزيد أهمية هذا التعود في الصغار. في الصغر تتوافر فرصة التنشئة والتربية وتقليد الكبار. وحيثما تتوافر ظروف التنشئة وتقليد السلوكيات الحضارية، فإن النتيجة تكون الدفع في اتجاه تطبيق تلك السلوكيات في حياتهم. ومن ثم، فإن هذا التطبيق يعمل بقوة على تحقيق برامج الرؤية وأهدافها، خاصة البرنامجين السابقين.
تعاني بلادنا ارتفاعا كبيرا في الحوادث المرورية. والوفيات سنويا من الحوادث التي بالآلاف. ومن أسباب ذلك وجود مشكلة في احترام متطلبات وتعليمات السلامة المرورية. السؤال التالي لماذا لدينا هذه المشكلة؟ الأسباب كثيرة، اخترت منها ثلاثة:
أولا: فقدان شوارعنا أرصفة مناسبة للمشاة خاصة الشوارع داخل الأحياء.
ثانيا: خلو معظم شوارعنا الداخلية من لوحات تحديد السرعة، ومتابعة الالتزام بها.
ثالثا: وجود عيوب في تخطيط مسارات السيارات عند الإشارات.

مشكلة أرصفة المشاة
هناك بعض الشوارع خالية من الأرصفة، والشوارع المنفذ فيها أرصفة تتصف بأن أغلب أرصفتها بها عيوب تجعلها لا تصلح أو لا تحفز المشاة على استعمالها. ولذلك اعتدنا صغارا وكبارا على استعمال قارعة الطريق أي السير فيما خصص لسير السيارات رغم خطورة ذلك. والخطورة تزداد كثيرا بالنسبة للأطفال حين خروجهم من وإلى البيوت والمساجد والمدارس. إنني لا أدعي أن سير المشاة على الأرصفة يمنع نهائيا حوادث السيارات ضد المشاة، لكن من المؤكد أنه يقلل احتمال وقوعها ويقلل عدد ونسبة المصابين من جرائها بدرجة كبيرة جدا، ومعلوم أن تقليل الأخطار مطلوب. إن وجود أرصفة مهيأة جيدا لاستخدام المشاة من أهم وسائل السلامة لأنها تقلل من احتمال تعرض المشاة لأخطار السيارات. وهناك منافع أخرى لهذه الأرصفة. وجودها يسهم في رفع الوعي المروري والسلوك الحضاري والنشاط البدني، أعني المشي، خاصة لطلاب التعليم العام. ولذا مطلوب من وزارة الشؤون البلدية الاهتمام القوي بوضع خطة مدروسة جيدا لإصلاح الوضع في كل شوارعنا خلال أعوام بين خمسة وعشرة. كيف؟ ما طبيعة هذه الخطة؟ موضوع طويل.

تعميم علامات تحديد السرعة
رغم أن السرعة سبب أساس في الحوادث، إلا أن العجيب هو أن أكثر الشوارع، ويشمل ذلك الشوارع داخل الأحياء، إما خالية من علامات لتحديد السرعة، أو أنها قليلة العدد. كيف يطلب من السائقين الالتزام بالسرعة وأكثر الشوارع خالية أو شبه خالية من تحديدها؟ مفترض وضع لوحات تحديد السرعة في كل شارع بما فيها تلك التي داخل الأحياء. ويجب أن توضع العلامات بمقاسات كبيرة لتسهل رؤيتها، وتوضع بكرم، أي يكثر منها، والسبب في الإكثار سهل: التكرار يساعد على التذكير وهذا مبدأ معروف. وتحدد سرعة قصوى أقل من 40كم في الشوارع التي يقل عرضها عن 30 مترا. ومقترح وضع كاميرات ساهر في كل الشوارع مهما صغرت، ومراقبة الالتزام بالسرعة المحددة. وخلاف تقليل الحوادث، تعميم الكاميرات يقلل الحاجة إلى المطبات، التي انتشرت في بعض شوارعنا إلى حد مزعج أحيانا.

سوء تصميم بعض المسارات خاصة المجاورة للإشارات
إذا كان عرض المسار أكثر أو أقل من اللازم فهذا حافز على عدم الالتزام بالمسار. بعض الشوارع مساراتها ضيقة أو عريضة أكثر من اللازم، خاصة عند الإشارة. مثال: يلاحظ السائقون أن المسار الأيسر في الطريق يصبح عريضا عند الإشارة المرورية. المشكلة أن هذا المسار المجاور للإشارة أصبح أزيد من عرض مسار واحد، وأقل من عرض مسارين، أي إنه فوق حاجة وقوف سيارة وأقل من حاجة وقوف سيارتين. والنتيجة تحفيز السائقين على عدم الالتزام بحدود المسار. وفي هذا أثر تربوي سيئ وهو تعويد الناس على التقليل من أهمية أو إضعاف احترام للمسارات الموضوعة. ومن جهة أخرى عدم الالتزام بمسار يعيق الالتزام بالمسارات الأخرى، حتى لو رغب في ذلك.

إنشرها